الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الاثنين، أغسطس 19، 2024

أنا البحار الحالم: عبده حقي


أنا البحار المنكوب الذي لا يغادر الشاطئ أبدًا، السماء التي لا شمس فيها تذوب فوق عيني، حيث كل موجة هي مرآة، تعكس صدى فكرة منسية، أمشي على الماء كما لو كان أرضًا، لكن كل خطوة تغرقني بشكل أعمق في الفراغ السائل.

رأيت عين العملاق تومض في الظلام، منارة الجنون، تحدق من خلال الضباب، نظرتها إبرة تخيط نسيج أحلامي، وأنا، عين الإبرة، مخيط في الليل الذي لا نهاية له.

البحر ليس ماءً، بل هو الوقت، ينطوي وينكشف، ثعبان يلتهم ذيله، كل حرشفة ذكرى، تنزلق من بين أصابعي، أمسك بالذيل، لكنه ينزلق بعيدًا، ضاحكًا بصوت يبدو وكأنه صوتي.

أنا صفارة الإنذار، والأغنية، والحجر، مربوطة إلى صاري رغبتي الخاصة، صوتي يرتفع من الأعماق، خيط فضي ينسج عبر المتاهة، لكن المينوتور ليس سوى ظلي، يرقص على جدران الكهف،

وأنا، الدمية، أرقص معه، خيوط من الضوء تسحبني نحو المركز، حيث ينبض قلب المتاهة مثل الطبل، ولكن عندما أصل إليه، لا أجد سوى صدفة فارغة، صدفة تهمس بالأسرار التي لا أستطيع فهمها.

أنا الريح التي تحمل السفينة، ولكنني أيضًا المرساة، التي تسحبها إلى أسفل، إلى دوامة الدوامة،

حيث لا توجد الوحوش في الخارج، ولكن في الداخل، مختبئة في زوايا ذهني، أتحدث إليهم بألسنة من نار، لكنهم لا يستمعون، عيونهم مصنوعة من المرايا، ولا أرى سوى نفسي منعكسًا في نظراتهم.

أنا آكل اللوتس، ضائع في الحلم، لكن الحلم قفص، والقضبان مصنوعة من الضوء، أمد يدي لألمسها،

لكن يدي تمر، تاركة فقط تموجًا في الهواء، تذكيرًا بأنني لست هنا، ولكن في مكان آخر، مكان ينحني فيه الأفق، وتسقط النجوم مثل المطر.

أنا ، ولكنني أيضًا لست أحدًا، اسم يهمس في الريح، وجه منحوت في الحجر، أتجول في ممرات عقلي،

ولكن كل باب يؤدي إلى نفس الغرفة، غرفة بلا جدران، حيث الأرض هي السماء، والسقف هو البحر.

أنا نذير النهاية، لكن النهاية ليست سوى البداية، دائرة مرسومة في الرمال، جرفتها المد والجزر،

وأنا المد والجزر، أنا الموجة والشاطئ، الدفع والجذب، التنفس والتنهد.

أنا طائر الألباتروس، أجنحتي منشورة على نطاق واسع، لكن السماء عبارة عن قماش، ورحلتي تترك أثراً من الحبر، قصة مكتوبة بلغة السحب، لكن الكلمات مبعثرة بواسطة الريح، وأنا القارئ، لا أستطيع إلا تخمين معناها.

أنا السفينة، أنا الشراع، أنا البحر والعاصفة، أنا الهدوء الذي يسبق الموج، والصمت بعد الاصطدام،

ولكن الأهم من كل ذلك، أنا الرحلة، خط مرسوم بين نقطتين، ولكن النقاط تتحرك، والخط منحني،

يتصاعد في نفسه، رحلة ليس لها نهاية، ولا بداية.

أنا الحالم، ولكنني أيضًا الحلم، رؤية تُرى من خلال زجاج غامض، ولكن الزجاج متصدع،  والضوء يشرق من خلاله، مشكال من الألوان، سيمفونية من الصوت، ولكن الموسيقى متنافرة، والألوان تنزف معًا، حتى لا تبقى سوى نغمة واحدة، معلقة إلى الأبد، معلقة في الهواء، ذكرى أغنية لم تُغنى أبدًا.

أنا الأوديسة، ولكنني أيضًا البحر، مساحة شاسعة، بلا حدود أو نهاية، وأنا البحار، تائه في داخلها،

ولكن الخسارة حلوة، والبحر هو موطني، لأنني البحار المنكوب، الذي لا يترك الشاطئ أبدًا، ولكنه يبحر دائمًا، ويحلم دائمًا، ويصبح دائمًا.

0 التعليقات: