الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، أغسطس 10، 2024

المغامرة الفرنسية المفاجئة في الصحراء تسبب انتكاسة لجبهة البوليساريو الماركسية بقلم جون جيه ميتزلر ترجمة عبده حقي


باريس ــ في خطوة وصفت بالصدمة الكبرى في السياسة الفرنسية تجاه شمال أفريقيا، اعترفت حكومة باريس بسيادة المغرب على الصحراء المتنازع عليها منذ فترة طويلة، وهي المنطقة التي طالما تنازع عليها الجزائر، والتي ظلت موضوعا لمداولات لا تنتهي في الأمم المتحدة.

وفي خطوة دبلوماسية بارعة وجريئة خلال أزمة سياسية داخلية وأيضا خلال الألعاب الأولمبية، غيّر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الرواية ووضع حكومة باريس في توافق أوثق مع المملكة المغربية.

ورغم أن خطوة ماكرون تمثل إعادة تقييم إيجابية للعلاقات مع المغرب، إلا أنها تتوازن مع الغضب السياسي المتوقع في الجزائر. فقد سحبت الجزائر سفيرها من باريس احتجاجا مبكرا.

ووصفت صحيفة " لوفيجارو" الفرنسية اليومية المرموقة هذه الخطوة بأنها "صدمة كبرى" في العلاقات الفرنسية الجزائرية.

ومن الناحية الرمزية، جاءت لفتة ماكرون تجاه المغرب في الذكرى الخامسة والعشرين لاعتلاء الملك محمد السادس العرش في الرباط. ولطالما شاب العلاقات بين فرنسا والمملكة المغربية غياب الاعتراف الرسمي بالوضع المعقد للصحراء الغربية.

في رسالة إلى الملك المغربي، قبل الرئيس ماكرون الخطة التي اقترحها المغرب في عام 2007 والتي تقدم للمنطقة حكمًا ذاتيًا محدودًا تحت سيادتها "الأساس الوحيد" لحل النزاع. والواقع أن ماكرون صرح بقوة: "إن حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يقعان في إطار السيادة المغربية".

وتمثل هذه الخطة انتكاسة لجبهة البوليساريو المطالبة بالاستقلال، والتي تدعي أنها الممثل الشرعي للشعب الصحراوي الأصلي.

لقد كانت التحركات البارعة التي اتخذها ماكرون على رقعة الشطرنج السياسية في المغرب العربي وشمال أفريقيا متأخرة منذ فترة طويلة في منطقة حساسة من المستعمرات الفرنسية السابقة. وكانت العلاقات مع الجزائر تخيم عليها تقليديا الذكريات الدائمة لنضالها الدامي من أجل الاستقلال عن فرنسا في الخمسينيات من القرن الماضي بقدر ما كانت تخيم عليها المكانة التي عينها نظام الجزائر نفسه باعتباره "لاعبا" تقدميا سياسيا في العالم العربي.

وقال السفير الفرنسي السابق في الجزائر كزافييه درينكورت لصحيفة لو فيجارو "إن باريس كانت لديها مصلحة أكبر في التقرب من الرباط بدلاً من الحفاظ على ادعاءات كاذبة تجاه الجزائر" .

كانت جمهورية الجزائر الديمقراطية الشعبية، منذ استقلالها عن فرنسا في عام 1962، دولة اشتراكية فاسدة. ورغم أن الجزائر واجهت تمردًا جهاديًا إسلاميًا عنيفًا في تسعينيات القرن العشرين، إلا أن البلاد التي يبلغ عدد سكانها 45 مليون نسمة خففت من حدة تمردها في السنوات الأخيرة وفضلت إقامة علاقة أوثق، وإن كانت حذرة، مع فرنسا. ولا تزال الجزائر تديرها دولة عميقة عسكرية/مدنية غامضة تُعرف باسم " السلطة ".

 

وعلى العكس من ذلك، تحافظ فرنسا على علاقات اجتماعية واقتصادية وثيقة مع المغرب؛ حيث تزدهر السياحة، وتزدهر الاستثمارات والتجارة. ويستضيف المغرب أكبر الاستثمارات الفرنسية في القارة الأفريقية. وبلغت صادرات فرنسا إلى المغرب في عام 2022 نحو 5 مليارات دولار. والمغرب، وهو مورد رئيسي للمنتجات الزراعية، وكذلك السيارات وأجزاء الطائرات، يصدر إلى فرنسا 8 مليارات دولار.

وتعكس تحركات ماكرون مبادرة سياسية جريئة بنفس القدر أطلقتها إدارة ترامب السابقة، والتي عرضت فيها الاعتراف الأمريكي بمطالبة المغرب بالصحراء.

كانت العلاقات بين الولايات المتحدة والمغرب ودية تقليديا؛ ففي عام 1777 كان المغرب من أوائل الدول التي اعترفت دبلوماسيا باستقلال الولايات المتحدة عن بريطانيا.

الصحراء المغربية لها ماضيها الاستعماري الخاص، حيث كانت تحت سيطرة إسبانيا حتى عام 1975، عندما ضمت "المسيرة الخضراء" المغربية المجاورة المنطقة الصحراوية الشاسعة سلمياً. ومنذ ذلك الوقت، أصبحت الصحراء الغربية بمثابة كرة قدم سياسية بين المغرب والجزائر. وفي المقابل، تدعم الجزائر انفصاليي جبهة البوليساريو الماركسيين في الغالب، الذين يعملون كمخلب قط للمصالح الجزائرية.

ولا تزال الأمم المتحدة تحتفظ ببعثة مراقبة في المنطقة منذ عام 1991، وهي تراقب وقف إطلاق النار، لكنها كانت تأمل في إجراء استفتاء لتسوية النزاع على السيادة الذي استمر لعقود من الزمن. ولكن الاستفتاء لم يُعقد بعد.

وليس من المستغرب أن تسعى فرنسا منذ فترة طويلة إلى تحسين العلاقات المتوترة والحساسة مع مستعمرتها السابقة الجزائر، التي تعد ثاني أكبر شريك تجاري لفرنسا في أفريقيا.

ومن بين الأسباب غير المعلنة الأخرى للتقارب المفاجئ بين باريس والرباط المخاوف المتزايدة التي أبداها ماكرون إزاء التدفقات غير الشرعية للمهاجرين من المغرب إلى إسبانيا وفرنسا. فالأمر لا يقتصر على المواطنين المغاربة الذين يلائمون فرنسا بسهولة، بل يشمل أيضا أعدادا كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين من غرب أفريقيا الذين يتم تهريبهم عبر المغرب والتسلل إلى إسبانيا.

وكما ذكرت منظمة كارنيجي كاونسل سادا ، "على مدى السنوات الخمس الماضية، اعترضت السلطات المغربية ما يقرب من 366 ألف محاولة للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا. وفي عام 2023 وحده، ألقت المغرب القبض على ما يقرب من 75 ألف مهاجر". ومعظم هؤلاء ليسوا مغاربة، ولكن نظراً لارتفاع أسعار المواد الغذائية في المملكة وأزمة تكاليف المعيشة، فإن العديد من السكان المحليين من الطبقة المتوسطة يرغبون في المغادرة.

لذا يبدو أن ماكرون يريد تعاونا أكبر من جانب المغرب لردع تهريب المهاجرين. وتدعم فرنسا سياسيا مطالب المغرب بالصحراء الغربية على أمل تحقيق الاستقرار لشريك وحليف استراتيجي. لكن الرهانات الآن ضعيفة.

جون جيه ميتزلر مراسل للأمم المتحدة يغطي القضايا الدبلوماسية والدفاعية. وهو مؤلف كتاب "الديناميكية المنقسمة: دبلوماسية الأمم المنفصلة: ألمانيا وكوريا والصين" (2014).

0 التعليقات: