في عصرنا الرقمي الحالي، يتم تكرار آليات القوة في العالم المادي عبر الإنترنت، مما أدى إلى إنشاء شكل جديد من أشكال الفصل العنصري – وهو ما يسمى بالفصل العنصري الرقمي. وهذا واضح بشكل خاص في الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث تؤدي سيطرة إسرائيل على البنية التحتية وتطوير تقنيات المراقبة إلى قمع منهجي للفلسطينيين في المجال الرقمي.
منذ عام 1967، حافظت إسرائيل على قبضتها المحكمة على قطاع الاتصالات الفلسطيني، مما أعاق تطوره لضمان حصول الفلسطينيين على خدمات أدنى. وعلى الرغم من اتفاقيتي أوسلو وباريس، فقد منعت إسرائيل السلطة الفلسطينية من السيطرة بشكل مستقل على بنيتها التحتية، مما أدى إلى رداءة في جودة خدمات الاتصالات وارتفاع تكلفتها في فلسطين.
ومع تحول العالم
نحو الجيل الخامس، ما يزال الفلسطينيون في الضفة الغربية يقتصرون على الجيل
الثالث، بينما يظل قطاع غزة يتواصل على ظهر سلحفاة الجيل الثاني. وذلك لأن السلطة
الفلسطينية تعتمد على موافقة إسرائيل على استيراد معدات معينة، والتي نادرًا ما
تُمنح لها. بالإضافة إلى ذلك، يتطلب إنشاء أبراج خلوية أو تركيب المعدات موافقة
إسرائيل، وجميع خطوط الاتصالات في فلسطين مستمدة من البنية التحتية القائمة في
إسرائيل ومتصلة بها.
في السنوات
الأخيرة، أصبح من الواضح أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية حولت الأراضي الفلسطينية
المحتلة إلى حقل تجارب لصناعات المراقبة والوحدات العسكرية الرقمية. لقد تم
استخدام الاستخبارات العسكرية لتطوير الصناعات الإسرائيلية عالية التقنية، مما أدى
إلى تصنيع وبيع تقنيات المراقبة والتجسس العسكرية في جميع أنحاء العالم.
في القدس
الشرقية والضفة الغربية، تنتشر آلاف الكاميرات ذات تقنية التعرف على الوجوه، وكانت
هناك تقارير عن تطوير برامج وخوارزميات لتتبع ومراقبة حسابات الفلسطينيين على
وسائل التواصل الاجتماعي، فضلاً عن المراقبة التنبؤية للشباب الفلسطيني.
تتعزز سلطة
الدولة الإسرائيلية على الفلسطينيين من خلال سيطرتها على البنية التحتية
ومحاولاتها النشطة للحفاظ على الفجوة بين الشعبين حيث تمارس إسرائيل قمعًا ممنهجًا
في المجال الرقمي، وتهاجم المحتوى الفلسطيني وتحد من حرية التعبير، من خلال
الاعتقالات وحملات التشهير، فضلاً عن ارتكاب أعمال غير إنسانية مثل المراقبة
والتجسس على المستخدمين ، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى حرمانهم من حقهم في احترام
الخصوصية.
كما لعبت شركات
التكنولوجيا الكبرى دورًا في إسكات الأصوات الفلسطينية. فقد اتُهمت منصات التواصل
الاجتماعي مثل فيسبوك و"إكس" تويتر سابقا وإنستغرام بـ "الرقابة
المنهجية" على المحتوى الذي يوثق عنف المستوطنين الإسرائيليين والدولة ضد
العائلات الفلسطينية في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية المحتلة. في عام 2021،
حجبت زووم ويوتيوب مؤتمرًا عبر الإنترنت استضافه طلاب ومعلمو جامعة ولاية سان فرانسيسكو
وكان من المفترض أن يضم ليلى خالد، رمز حركة المقاومة الفلسطينية.
إن تواطؤ شركات
التكنولوجيا الكبرى في تمكين انتهاكات حقوق الإنسان في غزة أمر مثير للقلق الشديد.
فقد دخلت هذه الشركات في شراكة مع وزارة الدفاع الأمريكية، وتنسيق المراقبة وتحليل
البيانات الضخمة، وتوجهت نحو مراكز القوة في الهياكل الرأسمالية والإمبريالية الأمريكية
واصطفت معها.
على سبيل
المثال، بدأت أمازون عملياتها في إسرائيل في عام 2020 وهي تمنح المستوطنين
الإسرائيليين الإذن بإنشاء حسابات بائعين، بينما لا يُسمح للفلسطينيين في غزة
والأراضي المحتلة بالتسجيل. إن شركة Airbnb وأكثر من 100 شركة عالمية أخرى تدير أعمالها في الأراضي المحتلة ومع
المستوطنين الإسرائيليين، ولكن ليس مع الفلسطينيين.
إن مستقبل
النشاط الفلسطيني قاتم ما لم يكن هناك تغيير جذري في النظام المدمج الذي يكرس
الفصل العنصري الرقمي. وإذا كان الإنترنت حليفًا لفترة طويلة للنشطاء غير المرغوب
فيهم والمعارضين المستضعفين، يبدو أن دوره قد انعكس في حالة الفلسطينيين.
إن ما نحتاجه
بدلاً من ذلك هو معايير دولية تنظم وتوضح وتضمن حقوق الإنسان، مثل المعاهدات
الملزمة للحكومات والشركات على حد سواء. وهذا أمر ضروري لنضالنا من أجل إنترنت حر
وعادل وآمن للفلسطينيين ولجميع الشعوب والمجموعات المضطهدة في جميع أنحاء العالم.
إن صعود الفصل
العنصري الرقمي في غزة هو تذكير صارخ باختلال التوازن في القوة في العصر الرقمي.
ويجب محاسبة شركات التكنولوجيا الكبرى على دورها في تمكين انتهاكات حقوق الإنسان،
ويجب عليها اتخاذ خطوات ملموسة لضمان عدم استخدام تقنياتها لقمع الفئات الضعيفة.
ويجب على المجتمع الدولي أيضًا اتخاذ إجراءات لوضع مبادئ توجيهية ولوائح واضحة
تحمي الحقوق الرقمية وتمنع استغلال التكنولوجيا لأغراض قمعية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق