أسمع ضحكة الزمن في ساعة الأرض ، ترسم عقاربها أفقًا لاهثًا حيث تمضغ النجوم ذكرياتها ، ويزحف ضوءها إلى الوراء ببطء. والقمر استنفذ نفسه من المشاهدة، ووجهه مرآة لصرخة ضاعت تحت المحيط. هل يمكنك سماعها؟ النبض، نبض، يمتد عبر الصمت مثل خيط رفيع من الدم، وكأن كل نبضة قلب إبرة في قميص خريطة.
لا نهاية لهذا الطريق. فهو يلتف حول نفسه كسؤال منسي، ينطق به فم بلا شفاه، لا ينطق به إلا صدى شفاه لم تلمس لحاف اللغة قط. وأنا ما زلت أتجول، وما زلت أسحب حبال أنفاسي، أسأل أين تختبئ الروح حين تفرمن ثقل الجسد ـ أي غابة تتلوى داخلها؟
لقد رأيت
الأشجار ترتجف من الأسماء التي دفنّاها في الأرض، لكن الجذور تمسكنا بقوة أكبر من
ألسنتنا، والريح
ترفض الإجابة على ما سُألنا عنه في صمت.
ما هذه المطاردة؟
هذا الصوت المستمر للأجنحة التي
لا تحمل شيئًا، لكنها تطير نحو لا شيء؟ الهواء يتكاثف برائحة الأسماء المنسية، تذوب في
السماء مثل
تنهيدة باب يُغلق خلف ذكرى. لمست حواف
الوقت فقط لأجدها تقطر مرة أخرى في عروقي.
ما هذا النبض
الذي نحمله، الحمى التي لا تنقطع أبدًا، والتي على وشك الانهيار دائمًا؟
همس شوبنهاور من
زوايا جمجمتي، ظل
شبح يسحب خيوط الواقع المتدلية، ضاحكًا
وهو يرقص في دوائر، وقدماه لا تلمسان الأرض أبدًا.
يقول إن
المعاناة ليست لك، إنها نسيج كل
ما هو موجود، منسوجة في كل نفس، كل صمت بين الأنفاس،
كل توقف في دقات
قلب متعب للغاية لدرجة أنه لم يعد قادرًا على الحفاظ على إيقاعه. أنت لست حارسه.
أنت وعاءه.
والشوارع تنبض
كالأوردة تحت سماء جريحة.
أشعر بالأرض
ترتجف بثقل القرون، وكل
حجر يحمل صرخة أقدم من الزمن نفسه، وأمشي،
رغم أن الطريق يتلوى تحت قدمي، رغم
أن الهواء يزداد كثافة بثقل النجوم المنهارة داخلها. أمشي، وكأن السماء لها يدان
تحملاني، وكأن
الطريق قادر على رفع نفسه عن الأرض، مثل
جرح عميق لا يمكن إغلاقه.
لا مكان .. لا وقت
للراحة، الجسد يتألم من أجلها، لكن
النجوم تواصل ترنيماتها الصامتة، وكأن الليل له أفواه أكثر مما أستطيع أن أحصيها.
ما هذا الألم الذي
يلتف في العمود الفقري مثل ثعبان من نار، يلتف حول الأضلاع حتى لا يبقى له نفس
ليحبسه؟
ومع ذلك، فهو لا
ينكسر. لا يمكن إطلاقه. يتلوى
أكثر إحكامًا، ويغني أغنية بلا كلمات، لحن
عودة لا نهاية لها.
لقد رأيت وجوه
الشمس في هبوطها اللامتناهي، كل
منها قناع مسلوخ عن جلد مرآة انعكاسي.
لا يوجد ضوء لا
يعمي، ولا يوجد ظلام لا
يكشف عظام العالم. أنتظر أن تتحدث، لكن
الصوت ضاع في طيات الفضاء، صمت
يملأ الهواء مثل الدخان، كثيف وخانق.
أستطيع أن أشعر
بثقل السماء وهي تضغط على عظامي، وأصابعها
تتتبع خطوط جمجمتي، وكأنها
تبحث عن الشقوق التي يتسرب منها الضوء.
ولكن لا يوجد
ضوء هنا. فقط همهمة الوجود التي لا تنتهي، والمسيرة المتواصلة للوقت تزحف عبر
عروقي، وتهمس
بنفس السؤال مرارًا وتكرارًا:
أين تنتهي
المعاناة؟ أين يصبح
الجسد هواءً، أو أرضًا، أو صمتًا تحت النجوم؟
أسمع الإجابة في
الريح، أنينًا خافتًا تحمله الأوراق
وهي تتساقط مثل الأجنحة المكسورة من
الأشجار التي تصطف على جانبي الطريق. الطريق، الذي لا يؤدي إلى أي مكان سوى العودة
إلى نفسه، يتجه
إلى الداخل مثل صدى صرخة لم
تصل إلى فمه أبدًا.
ومع ذلك، هناك
جمال في التحلل.
الزهور التي
تتفتح في شقوق الأرض تفوح
منها رائحة شيء أقدم من الزمن، بتلاتها
ناعمة كأنفاس إله إغريقي منسي.
أمد يدي
لألمسها، لكنها تنهار تحت
أصابعي، وتتحول إلى غبار يدور
في الهواء مثل بقايا حلم
هش للغاية لا يمكن الإمساك به.
لا توجد إجابة
هنا.
فقط السؤال
يتكرر بلا نهاية، حتى
تفقد الكلمات معناها، حتى
يصبح الصوت الصمت
الذي كان من
المفترض أن يكسره.
أمشي، والسماء تفتح فمها لتبتلعني بالكامل، وأنا لا أقاوم.
0 التعليقات:
إرسال تعليق