الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الاثنين، سبتمبر 09، 2024

"رقصة الصدفة" نص مفتوح : عبده حقي


نبضات تلتف حول كواحل أولئك الذين يظنون أنهم يعرفون تعداد خطواتهم. لكن الأقدام عالقة، مشوهة في أوتار الزمن، ذلك الوحش الفاسد الذي يقضم أحشاءنا. نحن، الظلال الضائعة، نرقص في غرفة بلا جدران، غير مدركين أن أطرافنا ليست لنا. القدر قناع مخيط على الجلد، طفيلي يأكل من الداخل، يخبرنا أن لدينا خيارًات عندما تُقطع الأوتار قبل أن نستيقظ.

لكنهم يضحكون! الجرذان في أدمغتنا. إنهم يقضمون فتات الأمل، بينما تتقيأ السماء نجومًا، تسخر من أولئك الذين يبحثون عن أنماط في الفوضى. لم يكن من المفترض أن نتسلق أبدًا. أن نتحدث. نحن لا شيء سوى دمى مرتعشة في مسرح مضطرب، أطراف تسحبها أيادٍ غير مرئية، تجرها إلى النار بلا نهاية.

وما زالوا يبتسمون. أسنانهم مثل أنقاض خشنة لمدينة ضائعة. الشقوق العشوائية في السماء هي أفكارنا، وأحلامنا تحولت إلى رماد. القدر كذبة، لكننا جميعًا نبتلعها، ونختنق بالشظايا، ونختنق بوهمنا. العشوائية هي الحقيقة الوحيدة، ومع ذلك... نتوسل للحصول على الخيوط الروابط.

عبر شوارع الرخام في الحلم، حيث كان الحب يتوهج ذات يوم مثل الجمر تحت الجلد، مشيت، شبحًا مع نفسي. شعرت بكل خطوة مسروقة، وكأن الأرض تحت قدمي لص، يأخذ مني وهم السيطرة. ومع ذلك، وجدت نفسي أبتسم للورود التي تنمو في شقوق الرصيف. لم تتفتح من أجل الشمس، ولكن من أجل القمر البارد غير المبال الذي لامسها مثل العشاق المنسيين.

لقد همسوا لي أن القدر لم يكن سوى قبلة عابرة، أبعدتها الرياح. مددت يدي لألمس البتلات، لكنها ذابت إلى قطرات، وتناثرت في الهواء، ولم يبق منها سوى رائحة خفيفة لشيء كان معروفًا ذات يوم. لمحة من وجه اختفى من الذاكرة منذ زمن طويل.

إن عشوائية كل هذا كانت تجعل القلب يرتجف، مثل وتر كمان تعزفه يد طفل. ومع ذلك، كان هناك جمال في هذا الارتعاش، هش مثل أجنحة فراشة عالقة في المطر. نحن نعيش، ونحب، ونخسر - ولكن ليس بالطريقة التي نختارها. تحتضننا العشوائية بعنفها اللطيف، ونحن، على الرغم من حمقنا، نتعلم الرقص على إيقاعها.

استيقظت وأنا متشابك في شرائط من المحادثات المنسية، وكان الهواء مثقلاً بأصداء لا يبدو أنها ستنتهي أبدًا. كان الأمر وكأنني تعثرت في كرنفال، حيث لا تعكس المرايا وجهي بل وجوه غرباء، عيونهم مفتوحة على مصراعيها من الخوف أو النشوة. لم يكن هناك وقت هنا، فقط دقات القلوب التي لا تنتهي، متزامنة مع إيقاع لا أستطيع فهمه.

كانت النجوم تتدلى من خيوط غير مرئية، وترتجف مثل الدمى المتحركة في مهب الريح. مددت يدي لألتقط واحدة منها، لكنها انزلقت من بين أصابعي مثل الرمال، واختفت في الليل.

القدر؟ نكتة قاسية يرويها القمر وهو يكبر ويصغر، يضحك من أولئك الذين آمنوا بنوره.

ولكن كانت هناك موسيقى غريبة ومنومة تجذبني إلى عمق المتاهة. تجولت، ضائعًا في العشوائية، مدركًا أنني لن أتمكن أبدًا من الفرار. تحركت الجدران مثل الدخان، وتهمس بأسرار لا معنى لها. ربما لن يكون لها معنى أبدًا. ربما كان هذا هو الهدف.

في النهاية، وجدت نفسي أضحك، رغم أنني لم أعرف السبب. كان هناك شيء جميل في العبث، في الفوضى التي كانت تدور حولي مثل راقصة بلا شريك. لقد أصبحت واحدًا معها، مع العشوائية. لقد كنت حرًا.

تحت سطح بشرتي، تتدفق أنهار الصدفة، تحملني إلى أماكن لم أرها قط ولكني عرفتها منذ الأزل. كل نفس هو بمثابة قفزة إلى المجهول، وعناق ناعم مع اللانهائي الذي يلوح خلف حافة البصر. السحب هنا هي عشاق، يقبلون السماء بحنان يتحدى العقل، وتتغير أشكالهم مع كل نبضة قلب، وتعكس نبض الكون في الداخل.

لا يوجد طريق ولا خريطة ترشدني. فقط همهمة الوجود الهادئة، وأغنية النجوم الرقيقة التي تنسج أفكاري مثل خيوط فضية في مهب الريح. وفي تلك الأغنية، أسمع أصداء الأحلام المنسية، والحياة التي لم أعشها، والاختيارات التي لم أتخذها أبدًا.

يذوب القدر في الهواء، مثل الضباب تحت دفء الشمس. إنه ليس شيئًا نتمسك به، بل شيئًا نصبح عليه، وميضًا من الضوء في مساحة الليل الشاسعة. ترقص العشوائية في عروقنا، سر نحمله مع كل خطوة. لا يهمس بالسيطرة، بل بالاستسلام، وإيجاد الجمال في المجهول، والتخلي والسقوط في أحضان غير المتوقع. وفي هذا السقوط، نجد أنفسنا.

أقف على حافة عالم غير مكتمل، حيث تتساقط من السماء ألوان عديمة اللون ويرفض البحر أن يعكس النجوم. لا حدود هنا، فقط الخط المرتجف بين الفكر والحلم، يذوب مثل الحبر في الماء. أغمض عيني، وتتحدث الريح بلغات لم أتعلمها قط، صوتها مألوف وغريب في نفس الوقت.

ترقص عشوائية كل شيء في دمي، بإيقاع جامح يتحدى المنطق. يجذبني نحو الأفق، حيث تتدلى الشمس مثل الجرح، وتنزف ضوءها في الفراغ. لكن الضوء بارد، والفراغ دافئ. أسير نحوه، وأنا أعلم أنني لن أصل أبدًا، وأن الوجهة سراب، وهم ألقته يد القدر ولم تمسه أبدًا.

تحلق الطيور إلى الخلف، وتشق أجنحتها نسيج الزمن. أراقبها، ويتردد صدى صراخها في الفضاء الفارغ حيث كانت أفكاري ذات يوم. لا توجد سيطرة، ولا اتجاه، فقط همهمة الفوضى الهادئة، تدور مثل عجلة بلا محور. أضحك، لأنه ماذا يمكنني أن أفعل عندما يكون الكون مجرد نكتة يرويها مجنون؟ وأنا أيضًا جزء من النكتة.

في الصمت بين الأنفاس، أسمع الكون يتكشف. كل لحظة هي خيط يتم سحبه من نسيج العدم، ويدور إلى الوجود بأيدي ليست لي. أمد يدي لأمسك بها، لكنها تنزلق بعيدًا، مثل الماء من بين أصابعي. ومع ذلك، في هذا الانزلاق، توجد حقيقة أعمق من اليقين الذي قد يحمله.

إن العشوائية ليست عدواً، بل هي رفيقة تمشي إلى جانبي عبر صحراء الزمن. والنجوم هي آثار أقدامنا المنتشرة في السماء، والتي تقودنا إلى كل مكان في آن واحد. وأنا أتبعها، ليس لأجد المعنى، بل لأفقده، لأتركه يذوب في رمال اللانهاية.

لا يوجد مصير هنا، ولا مسار محفور في الصخر. فقط همسة الريح الناعمة، ووميض الضوء على حافة الرؤية، دائمًا بعيدًا عن متناول اليد. لا يهتم الكون بخططنا أو آمالنا أو مخاوفنا. إنه يتحرك في دوائر، في لوالب، في أنماط شاسعة جدًا بحيث لا يمكننا فهمها.

وهكذا أستسلم للعشوائية، للفوضى، لجمال الحياة التي نعيشها دون سيطرة. وفي هذا الاستسلام أجد نفسي، وأجد كل شيء.

0 التعليقات: