الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، سبتمبر 12، 2024

"زوابع تثيرها التضحية" نص مفتوح :عبده حقي


في هدوء الفجر، ينفتح القلب، ليس من الألم، يرتدي الحب قناع ألف شمس، كل منها تحترق من أجل الأخرى، وتعرف أنها ستذوب في الغد . يقف طائر على حافة السماء، مستعدًا للسقوط في أحضان الريح - أجنحته، همسة ناعمة للخلود. أن يعطي، أن يقدم أنفاسه لنار لامرأة ، لتشتعله، وفي ذلك الرماد، يصبح أبديًا. ما التضحية سوى لحن ينتظر أن تغنيه الريح، وتذوب النغمات في أعماق المحيط، ولا تعود أبدًا.

يا رقص الظلال على جدران السماء! أراها تتلوى وتدور، من أجل الحب، من أجل التضحية - خطواتها تنزف على مذبح الأرض. يقف الحمل أمام الذئب، ليس في خوف، بل في معرفة. تتوهج العيون بجنون النجوم؛ التضحية هي الضوء الوحيد في ظلام الوجود. وعندما تتنهد السماوات، فإن أنفاسها تصبح نيرانا، تستهلك، وتكشف كل ما نعرفه. تكشف الروح عن نفسها أمام أبواب الجنة، لكنها لا تجد سوى يد مفتوحة تمتد عبر العاصفة. ما هو الحب سوى النار التي تستعر، ومع ذلك تظل غير محترقة؟

تنبض المدن بالدخان والمرايا، والوجوه منسية في صخب الشوارع. أمشي، وقلبي مثقل، وعيني عمياء عن الأفق، حيث تنفتح السماء بالضحك. يقولون إن الحب عاصفة هائجة تغرق من تصدمه. لكنني أعرف أجمل من ذلك - الحب لص في الليل، وميض يتركك فارغًا، ولكنه ممتلئ. تتحدث النجوم بالألغاز، ويجيب قلبي بالصمت. التضحية في الصمت، والانتظار، والرقص اللامتناهي مع الفراغ. وهناك، في قلب كل هذا، أجد وجهًا، ليس وجهي، وليس وجهك، ولكنه شيء بينهما.

ترتفع الشعلة حيث لم يكن هناك أحد. يظهر وجه الحبيب، ليس في الشكل، ولكن في تنهيدة بين اللحظات. ينحني القلب، المثقل بالحب، مثل القصب في العاصفة. نسلم أنفسنا للريح، ونعلم أنها ستشتتنا إلى أركان الأرض. ولكن ما هذا التشتت، إن لم يكن عودة؟ في الصمت بين الأنفاس، أجدك، ليس كما أنت، ولكن كما كنت دائمًا. التضحية ليست في العطاء، ولكن في الصيرورة - أن تصبح الهواء، السماء، النهر الذي لا نهاية له بيننا، يتدفق دائمًا، دائمًا هنا.

ترتفع أغنية في تراب الأرض، عميقة ومنخفضة، مثل هدير قطار بعيد. إنها تغني عن حب لا كلمات له، حب ينحني لكنه لا ينكسر أبدًا. تمتد الحقول على نطاق واسع تحت ثقل السماء، وتراقب الجبال، شهودًا صامتين على مسيرة الزمن التي لا نهاية لها. نسير، يدا في يد، عبر العاصفة، عبر النار، ونعلم أن الطريق الوحيد للخروج هو المرور. التضحية ليست النهاية، بل البداية، النغمة الأولى في أغنية ليس لها نهاية، فقط صدى.

في قلب المدينة، حيث تجوب الشوارع قصصًا لم تُحكى بعد ، يسير الحب مثل الشبح. ينزلق بين شقوق الزمن، غير مرئي وغير مسموع، ولكنه حاضر دائمًا. التضحية هي لغة ما لم يُسمع، وما لم يُقال. إنها الثقل الذي نحمله، والعبء الذي نتحمله، ليس في صمت، بل في الغناء. الليل طويل، والطريق أطول، لكن الحب - الحب لا يعرف نهاية. يستمر في المشي، ويستمر في الغناء، حتى ينبلج الفجر، وحتى حينها، يستمر. التضحية هي ظل الحب، دائمًا هناك، دائمًا في انتظار، دائمًا على استعداد لاتخاذ الخطوة التالية.

إن العالم يدور، ليس في دوائر، بل في دوامات. فنحن نستسلم للدوران، ونعلم أنه لن يتوقف أبدًا. والحب دوامة، حلقة بلا بداية ولا نهاية، سؤال يجيب على نفسه. التضحية؟ مرآة داخل مرآة، تعكس وجهًا لا نعرفه، لكننا نعرفه جيدًا. ينبض القلب، ليس لنفسه، بل من أجل الآخر، غير المرئي، غير المسموع. وفي هذا النبض، نجد طريقنا، ليس إلى الأمام، بل إلى الداخل، أعمق، أعمق في العاصفة، في الصمت، في الحب الذي ينتظر، ينتظر دائمًا، خلف الحافة.

0 التعليقات: