الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الاثنين، أكتوبر 21، 2024

إخفاقات الترتيب التونسي الجزائري للقمة المغاربية المصغرة: عبده حقي

 


لقد استقطبت الجهود الدبلوماسية الأخيرة بين تونس والجزائر لترتيب قمة مغاربية مصغرة قدراً كبيراً من الاهتمام والانتقادات بسبب أوجه القصور الواضحة التي شابتها. وفي قلب هذه المبادرة يكمن الغياب الصارخ للمغرب وموريتانيا، وهما البلدان اللذان تشكل مشاركتهما أهمية أساسية لتحقيق النجاح الأوسع للتعاون الإقليمي المغاربي. وتهدف هذه القمة "المصغرة"، التي من المتوقع أن تستضيفها طرابلس، إلى معالجة الأزمة المستمرة في ليبيا والحد من التدخل الأجنبي في شؤونها الداخلية. ومع ذلك، فإن إغفال اللاعبين الإقليميين الرئيسيين والخلافات الدبلوماسية القائمة يثير تساؤلات حول قدرة القمة على توليد نتائج ذات مغزى. إن فشل الترتيب التونسي الجزائري لا يعكس التوترات الحالية فحسب، بل وأيضاً الخلافات الجيوسياسية الأعمق داخل شمال أفريقيا.

لقد لعب المغرب، باعتباره قوة سياسية واقتصادية هامة للغاية في شمال أفريقيا، دوراً تاريخياً مهماً في الشؤون الإقليمية. ومع كونه واحدا من أكثر الاقتصادات تقدماً في المنطقة، ونفوذه الدبلوماسي المتنامي، وخاصة من خلال الاتحاد الأفريقي والشراكات العالمية، فإن استبعاد المغرب من هذه القمة المغاربية "المصغرة" سوف تكون له عواقب وخيمة .

فمن خلال استبعاد المغرب من هذه القمة المصغرة، تعمل الجزائر وتونس على تقويض إمكانية إقامة حوار أوسع وأكثر شمولاً من شأنه أن يساهم في حل الأزمات الإقليمية، وخاصة في ليبيا. وقد أظهر المغرب دئما باستمرار قدرته على الوساطة والتفاوض في أفريقيا، كما يتضح من دوره الرئيسي في التوسط في الاتفاقات في الصراع الليبي ومحاولاته للتوسط بين الفصائل الأفريقية في نزاعات أخرى. إن غياب مثل هذه القوة الدبلوماسية المغربية يضعف بشدة من إمكانية نجاح القمة وشرعيتها.

إن غياب موريتانيا عن القمة له نفس الدلالة. فبينما تقف موريتانيا على الحياد رسميا في الصراع بين الجزائر والمغرب، فإنها كانت تاريخيا أقرب إلى المغرب في العديد من القضايا. ورغم أن البلاد لديها علاقات دبلوماسية مع الجزائر وتتعامل مع الجانبين، فإن علاقاتها بالمغرب، وخاصة من حيث العلاقات التجارية والثقافية، قد ازدهرت بشكل أقوى على مر السنين. ويشير غياب موريتانيا إلى أن الجزائر وتونس قد فشلتا في إشراك أصحاب المصلحة الرئيسيين الذين، على الرغم من حيادهما، يمكنهم تقديم رؤى قيمة أو العمل كقوى موازنة في المفاوضات. وقد دعت موريتانيا باستمرار إلى حلول سلمية للصراعات داخل المغرب الكبير وكان من الممكن أن تلعب دورا بناء في المناقشات الليبية.

ومن المتوقع أن تركز القمة المصغرة بشكل كبير على الأزمة الليبية المستمرة، وخاصة الانتخابات الوطنية التي طال انتظارها والجهود الرامية إلى الحد من التدخل الأجنبي. فمنذ الإطاحة بمعمر القذافي في عام 2011، غرقت ليبيا في حرب أهلية، وانقسمت بين حكومتين متنافستين في شرق وغرب البلاد، وتعرضت لتدخل خارجي من قبل جهات دولية مختلفة.

إن فشل الاتفاق التونسي الجزائري في إشراك المغرب وموريتانيا يرمز إلى التفتت الأوسع في المغرب الكبير. فبدلاً من تعزيز الوحدة الإقليمية، تعمل هذه الانقسامات على تفاقم التوترات. إن استبعاد المغرب، وهو لاعب سياسي واقتصادي رئيسي، يعمل فعلياً على تهميش وسيط حاسم يتمتع بنفوذ كبير في كل من المغرب الكبير وأفريقيا على نطاق أوسع. كما يعمل هذا الاستبعاد على ترسيخ التنافس بين الجزائر والمغرب، الأمر الذي يضعف التضامن الإقليمي ويخنق الجهود الرامية إلى حل المشاكل بشكل جماعي.

إن الترتيب التونسي الجزائري لعقد قمة مغاربية مصغرة محفوف بالتحديات والتناقضات. ويعكس استبعاد المغرب وموريتانيا الانقسامات الجيوسياسية العميقة داخل المغرب الكبير والتي استمرت لعقود من الزمن. وبدون معالجة الأسباب الجذرية لهذه الانقسامات، وخاصة الصراع بين المغرب والجزائر، فإن إمكانات التعاون الإقليمي الهادف تظل ضئيلة.

ورغم أن القمة قد تقدم بعض التقدم في الأمد القريب بشأن الأزمة الليبية، فإن تأثيرها في الأمد البعيد من المرجح أن يكون محدودا بسبب غياب اللاعبين الرئيسيين (المغرب وموريتانيا) والتوترات المعقدة بين أكبر القوى في شمال أفريقيا. ويتطلب الطريق إلى الاستقرار الإقليمي حوارا شاملا، ولكن يبدو أن المنهج التونسي الجزائري سوف يمضي في تعزيز الانقسامات بدلا من تجسيرها. ونتيجة لهذا، قد تثبت القمة المصغرة أنها فرصة أخرى ضائعة في التاريخ الطويل لنضال المغرب من أجل الوحدة والسلام

0 التعليقات: