يعد كتاب إسبن أرسيث "النص السيبراني: وجهات نظر حول الأدب الإرجودي" الصادر عام (1997) استكشافًا رائدًا لكيفية إعادة تعريف النصوص الرقمية وغير الخطية للعلاقة بين المؤلف والنص والقارئ. يقدم أرسيث مفهوم "النص السيبراني"، الذي يتحدى المفاهيم التقليدية للأدب من خلال فحص النصوص التي تتطلب جهدًا غير تافه من القارئ للتنقل فيها أو التفاعل معها. يضع هذا العمل الأساس لفهم الأدب الإرجودي، وهو مصطلح صاغه أرسيث لوصف النصوص التي تتطلب المشاركة النشطة من المستخدم.
تعريف النص السيبراني والأدب الإرجودي
يبدأ الكتاب بالتمييز
بين النص السيبراني والأشكال الأدبية التقليدية حيث يعرّف أرسيث النص السيبراني بأنه
أي نص يتضمن حلقة تغذية مرتدة حيث تؤثر تصرفات القارئ بشكل مباشر على السرد أو بنية
النص. على عكس الأدب التقليدي، حيث يستوعب القارئ المحتوى بشكل سلبي، تتطلب النصوص
السيبرانية التفاعل، مما يجعل القارئ مشاركًا في خلق المعنى. إن هذا المفهوم يتجسد
في مصطلح "الأدب الإرجودي"، المشتق من الكلمتين اليونانيتين "إرجون"
(عمل) و"هودوس" (مسار). وفي الأدب الإرجودي، لا يقتصر انخراط القارئ على
الجانب الفكري فحسب ــ بل يشمل الجهد البدني والاختيارات والتنقل.
ويقارن آرسيث بين النصوص الإرجودية والنصوص غير الإرجودية، حيث لا يتطلب فعل القراءة مثل هذا العمل التشاركي. ومن أمثلة الأدب الإرجودي القصص النصية التشعبية، وكتب "اختر مغامرتك"، والألعاب الرقمية، حيث يتعين على القارئ/اللاعب اتخاذ القرارات واستكشاف المسارات وتجميع السرد.
الآلات النصية ودور
القارئ
يؤكد آرسيث أن النصوص
الإلكترونية هي "آلات نصية" مصممة لإنتاج مجموعة من النتائج على أساس تفاعل
المستخدم. ويزعم أن هذه النصوص تطمس الخط الفاصل بين المؤلف والقارئ، حيث تشكل اختيارات
القارئ بشكل كبير عملية تطور النص. على سبيل المثال، في رواية نصية تشعبية أو لعبة
كمبيوتر، تحدد تصرفات القارئ أقسام السرد التي يمكن الوصول إليها، وبأي ترتيب، وحتى
النهاية.
يعمل هذا التفاعل على
تعقيد الفهم التقليدي لسلطة المؤلف على النص. في النصوص السيبرانية، يصمم المؤلف الإطار
والإمكانيات، لكن القارئ يلعب دورًا نشطًا في تحقيق السرد. يلاحظ أرسيث أن هذه الطبيعة
التشاركية تتحدى التسلسل الهرمي التقليدي في الأدب، حيث يكون المؤلف هو المبدع والقارئ
مجرد متلقٍ.
تصنيف النصوص السيبرانية
أحد مساهمات أرسيث
الرئيسية هو تصنيفه التفصيلي للنصوص السيبرانية، والذي يصنفها بناءً على بنيتها والوسيلة
ودرجة مشاركة القارئ. يحدد العديد من المعلمات، مثل:
وظيفة المستخدم: مدى
تأثير تفاعل المستخدم على النص.
بنية الوصول: المسارات
التي من خلالها يصل القارئ إلى أجزاء مختلفة من النص.
ديناميكيات النص: كيف
يتغير النص استجابة لمدخلات القارئ.
القدرة على التحديد:
ما إذا كان النص يقدم نتائج ثابتة أو يسمح بإمكانيات مفتوحة.
باستخدام هذا الإطار،
يفحص آرسيث مجموعة واسعة من النصوص، من الأدب القديم مثل كتاب التغييرات إلى ألعاب
الفيديو الحديثة والقصص النصية التشعبية. ويسلط الضوء على كيفية تقاسم هذه الأشكال
المتنوعة لخاصية مشتركة: المشاركة النشطة للقارئ في بناء السرد.
أمثلة ودراسات حالة
يستخدم آرسيث العديد
من الأمثلة لتوضيح مبادئ النصوص الإلكترونية والأدب المرن. ومن الأمثلة البارزة على
ذلك نموذج كتاب "اختر مغامرتك الخاصة"، حيث يتخذ القراء قرارات في نقاط رئيسية
في القصة، مما يؤدي إلى نهايات متعددة محتملة. ومن الأمثلة الأخرى لعبة المغامرات النصية
"زورك"، حيث يتنقل اللاعبون في عالم خيالي عن طريق كتابة الأوامر، مما يؤثر
بشكل مباشر على تقدم السرد.
يناقش آرسيث أيضًا
الخيال النصي التشعبي، مثل قصة "بعد الظهيرة " لمايكل جويس، والتي تسمح للقراء
بالنقر فوق الروابط التي تؤدي إلى أقسام مختلفة من السرد. توضح هذه الأمثلة كيف يمكن
للنصوص الإلكترونية أن تنفصل عن خطية الأدب التقليدي، وتقدم تجربة أكثر ديناميكية وتفاعلية.
الآثار المترتبة على
النظرية الأدبية ودراسات الإعلام
إن عمل آرسيث له آثار
عميقة على النظرية الأدبية، حيث يتحدى النماذج الراسخة ويقدم طرقًا جديدة للتفكير في
النصوص. إنه ينتقد المناهج التقليدية التي تركز فقط على المؤلف أو النص، بحجة أنها
تفشل في مراعاة دور القارئ في تشكيل المعنى. في سياق النص السيبراني، لا يكون المعنى
ثابتًا ولكنه ينشأ من التفاعل بين القارئ والنص.
علاوة على ذلك، تمتد
أفكاره إلى ما هو أبعد من الأدب إلى الوسائط الرقمية ودراسات الألعاب. يسلط الضوء على
كيف أن ألعاب الفيديو، كسرد تفاعلي، تجسد مبادئ النص السيبراني والأدب التفاعلي. لقد
جعل هذا النهج متعدد التخصصات من النص السيبراني نصًا أساسيًا ليس فقط في الدراسات
الأدبية ولكن أيضًا في دراسة الثقافة الرقمية والوسائط التفاعلية.
التحديات والانتقادات
في حين حظي عمل آرسيث
بإشادة واسعة النطاق لأصالته وعمقه، فقد أثار أيضًا جدلاً. يزعم بعض النقاد أن تركيزه
على الجوانب الفنية والبنيوية للنصوص يتجاهل أبعادها الثقافية والاجتماعية. ويتساءل
آخرون عما إذا كان تعريفه للأدب التفاعلي واسعًا للغاية، وربما يشمل أي شكل من أشكال
الوسائط التفاعلية.
على الرغم من هذه الانتقادات،
يظل إطار آرسيث مؤثرًا. فقد ألهم تركيزه على دور القارئ والتفاعل بين التكنولوجيا والسرد
أبحاثًا لاحقة في مجالات تتراوح من العلوم الإنسانية الرقمية إلى تصميم الألعاب.
الخلاصة
في كتاب Cybertext: Perspectives on Ergodic Literature، أعاد إسبن أرسيث تعريف مفهوم
النص في العصر الرقمي. من خلال تقديم أفكار Cybertext وأدب Ergodic، يحول التركيز من الاستهلاك السلبي إلى المشاركة
النشطة، ويتحدى التسلسل الهرمي التقليدي بين المؤلف والنص والقارئ. لم تعمل رؤى أرسيث
على تحويل النظرية الأدبية فحسب، بل أرست أيضًا الأساس لفهم الصفات الفريدة للسرد الرقمي
والتفاعلي. لا يزال عمله يتردد صداه في عصر حيث أصبحت التفاعلية ووكالة المستخدم مركزية
بشكل متزايد لكيفية تجربتنا للقصص والوسائط.
0 التعليقات:
إرسال تعليق