الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، مايو 15، 2025

المسيرة الخضراء بداية التحرير والحكم الذاتي نهاية أوهام : عبده حقي


إن البيان الصادر عن الجمعية الوطنية في نيكاراغوا، والذي تضمن تهنئةً لجبهة البوليساريو بمناسبة ذكرى تأسيسها وانطلاق ما سمّي بالكفاح المسلح، ليس سوى إعادة إنتاج لخطاب إيديولوجي تجاوزه التاريخ والواقع السياسي والدولي. فالحقائق على الأرض، والمواقف الأممية، والمبادرات المغربية الجادة، جميعها تكشف عن تهافت تلك الادعاءات، وتؤكد أن من حرّر الشعب الصحراوي من قبضة الاستعمار الإسباني هي «المملكة المغربية»، وليس تنظيماً عسكرياً يتغذى على الأوهام والانفصال.

في العاشر من أكتوبر عام 1975، أصدرت محكمة العدل الدولية رأياً استشارياً أكد وجود روابط بيعة تاريخية بين سكان الصحراء والمملكة المغربية. وجاءت «المسيرة الخضراء»، التي حشد لها الملك الراحل الحسن الثاني، كتجسيد سلمي حضاري لتحرير الأرض، لا بندقية انفصالية ولا مغامرة مسلحة دموية.

لقد كانت المسيرة الخضراء لحظة نادرة في التاريخ، حين سار 350 ألف مغربي نحو الصحراء بلا سلاح، حاملين المصاحف والأعلام المغربية، في صورة غير مسبوقة لمقاومة استعمارية سلمية. وبذلك، لم تكن تلك المسيرة فقط وسيلة لتحرير الأرض، بل كانت انطلاقة لتحرير الإنسان الصحراوي من العزلة والحرمان والاستغلال الإسباني.

ومنذ استرجاع أقاليمه الجنوبية، أطلق المغرب «ورشاً تنموية كبرى» في مختلف المجالات، من بنى تحتية، وتعليم، وصحة، إلى مشاريع خضراء وطاقة مستدامة. فالمدن الصحراوية اليوم، من العيون إلى الداخلة، تشهد قفزة حضارية هائلة جعلتها تنافس مدنًا كبرى في شمال المملكة، إن لم تتفوق عليها في بعض المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية.

أما «مبادرة الحكم الذاتي» التي اقترحتها الرباط منذ عام 2007، فقد لاقت ترحيباً دولياً واسعاً، واعتُبرت من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة "جدّية وذات مصداقية"، وهو ما لم تحظَ به أي مبادرة من طرف البوليساريو أو الداعمين لها. هذه المبادرة ليست فقط حلاً سياسياً واقعياً، بل هي رؤية تنموية ديمقراطية تحترم خصوصية المنطقة وسكانها ضمن سيادة المغرب ووحدته الترابية.

بالمقابل، فإن «جبهة البوليساريو»، التي تأسست بدعم مباشر من النظام الجزائري، اختارت منذ بدايتها العنف المسلح واستغلال اللاجئين في مخيمات تندوف كورقة سياسية، في غياب تام للحد الأدنى من الحقوق الإنسانية. وقد أكدت تقارير دولية صادرة عن منظمات حقوقية مرموقة، مثل "هيومن رايتس ووتش" و"أمنيستي إنترناشونال"، وجود انتهاكات خطيرة داخل المخيمات من بينها تقييد حرية الحركة، وتجنيد القاصرين، والتضييق على المعارضين.

أما حديث رئيس الجمعية الوطنية في نيكاراغوا عن "حدود شرعية للجمهورية الصحراوية"، فهو «منافٍ للشرعية الدولية نفسها»، إذ لا توجد أي دولة عضو في الأمم المتحدة تعترف بما يسمى بـ"الجمهورية الصحراوية" كعضو كامل العضوية في المنظمة الأممية. كما أن معظم الدول التي كانت تعترف بها في سياقات الحرب الباردة تراجعت عن ذلك وفتحت قنصليات لها في العيون والداخلة، في اعتراف واضح بمغربية الصحراء وبالاستقرار السياسي والاقتصادي الذي تنعم به.

إن المغرب لم ولن يعادي أي شعب، بل هو بلد اختار مقاربة قائمة على التنمية والسلام. لذلك، فإن رسالة نيكاراغوا لا تمثل إلا رأياً سياسياً ضيقاً من دولة تعيش عزلة دبلوماسية، ولا وزن لها في تحديد مصير شعب بأكمله.

في النهاية، «القضية الصحراوية لم تعد مسألة تصفية استعمار، بل مسألة استكمال تنمية، وتثبيت سلام، وبناء مغرب الجهات المتقدمة». والصحراء المغربية، ليست عبئاً سياسياً كما يريد البعض تصويرها، بل بوابة استراتيجية للمستقبل نحو إفريقيا وأوروبا، ومجال رحب لتجسيد العدالة الاجتماعية والمصالحة الوطنية.

وعليه، فإن من يهنّئ البوليساريو لا يهنئ شعباً بل يبارك استمرار مأساته. أما من يدعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية، فهو يختار الأمل على حساب الألم، والحياة على حساب الجمود، والشرعية على حساب الفوضى.

0 التعليقات: