من موقعه الثابت والراسخ على الساحة الدولية، يواصل المغرب تصديه لمحاولات تزييف الحقائق وطمس المكاسب المحققة في ملف الصحراء المغربية، مستنكراً، بأشد العبارات، مضامين تقرير صادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، اعتُبر منحازاً ومخالفاً للمبادئ التي ترسخت داخل مسار التسوية السياسية الأممية. فقد جاء هذا التقرير ليضعف ثقة المنتظم الدولي في حيادية المنظمة، ويخلط أوراق النزاع الإقليمي المفتعل، في وقتٍ بات فيه الموقف المغربي يحظى بتأييد متزايد من القوى الدولية الكبرى.
السفير المغربي لدى
الأمم المتحدة، عمر هلال، كان صريحاً وواضحاً في تعبيره عن استياء المملكة من هذا الانزلاق
الخطير، واصفاً التقرير بأنه "مضلل" و"فاقد للحياد"، متسائلاً
عن الدوافع التي جعلت محرّريه يتجاهلون الدعم المتزايد الذي تلقاه مبادرة الحكم الذاتي
التي تقدم بها المغرب سنة 2007، والتي وصفتها قوى كبرى، من ضمنها الولايات المتحدة
والمملكة المتحدة وفرنسا، بأنها "الأكثر جدية وواقعية ومصداقية" لحل النزاع
المفتعل.
ورغم التوصيفات المغلوطة
التي وردت في التقريروالتي قسمت الصحراء المغربية إلى "جزئين" فقط، متجاهلة
وجود أربعة أطراف فاعلة تم الاعتراف بها في قرارات مجلس الأمن منذ عام 2018 (وهي المغرب،
الجزائر، موريتانيا، وجبهة البوليساريو) فإن
الرد المغربي لم يتوقف عند حدود الدبلوماسية التقليدية، بل اتخذ شكل اعتراض رسمي ومفصل
موجَّه لرئاسة مجلس الأمن، حذّر فيه من خطورة التلاعب بالمصطلحات وتسييس النزاع بما
يخدم أطروحات انفصالية متجاوزة.
ولعل ما يزيد من خطورة
التقرير، هو كونه يتبنى بشكل غير معلن وجهة نظر "عضو غير دائم في مجلس الأمن"،
وهو ما اعتبره هلال تسييساً غير مسبوق للعمل الأممي، يُقوّض مصداقية الهيئة الأممية
أمام الجمعية العامة، ويُهدد بنسف التوازن الذي تم التوصل إليه بصعوبة عبر سنوات من
الوساطة والمفاوضات.
لقد أجمعت دول وازنة،
بينها المملكة المتحدة والولايات المتحدة وسيراليون، على رفض محتوى التقرير. واعتبرت
هذه الدول أن فقراته لا تحترم قرارات مجلس الأمن، بل تشكل "إهانة له"، داعية
إلى مراجعة فورية للتقرير حفاظاً على حيادية المنظمة الأممية واستقلالية مسارها التفاوضي.
كما أشار خبراء استراتيجيون
مثل هشام معتضد إلى أن هذه الانحرافات لن تؤثر إطلاقاً على قوة الموقف المغربي، ذلك
أن "الواقع على الأرض، والسياسات التنموية الجبارة التي تعرفها مدن مثل الداخلة
والعيون، تؤكد مغربية الصحراء أكثر مما تثبته تقارير مصطنعة". فالتحول النوعي
الذي قام به المغرب في تعاطيه مع الملف، من خلال توسيع دائرة الاعتراف الدولي وتكثيف
الجهود التنموية في الجنوب، بات نموذجاً يحتذى به في الدبلوماسية الواقعية.
في السياق ذاته، يُجمع
المتتبعون على أن الجزائر، باعتبارها الراعي الحقيقي لجبهة بوليساريو، لم تعد قادرة
على إخفاء دورها في تعقيد الملف، وهو ما بدأت تعترف به حتى تقارير اللجان الأممية المتخصصة.
فمحاولات تصوير النزاع كقضية "تصفية استعمار" لم تعد تنطلي على أحد، بل بات
يُنظر إليه، بوضوح متزايد، كصراع إقليمي تغذّيه حسابات جيوسياسية.
أضف إلى ذلك أن أكثر
من مئة دولة عبر العالم باتت تدعم مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، بينما
افتتحت أكثر من عشرين دولة قنصلياتها العامة في مدينتي العيون والداخلة، في اعتراف
ضمني وفعلي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.
وختاماً، فإن المغرب،
بقيادة جلالة الملك محمد السادس، لا يطالب إلا بشيء بسيط وعادل: احترام القرارات الأممية
ذات الصلة، والابتعاد عن التوظيف السياسي في التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة، والاعتراف
بما تحقق فعلياً على الأرض من سلام واستقرار وتنمية. فالصحراء كانت وستبقى مغربية،
لا بقوة السلاح أو الدعاية، بل بالإجماع الدولي، وشرعية التاريخ، وإرادة أبناء الوطن.
0 التعليقات:
إرسال تعليق