غيب الموت اليوم الأربعاء 4 يونيو 2025، الكاتب والروائي التونسي الكبير «حسونة المصباحي»، عن عمر ناهز 75 عامًا، بعد صراعٍ طويلٍ مع المرض. وبرحيله، فقدت الساحة الثقافية والأدبية في تونس والعالم العربي أحد أبرز الأصوات السردية التي أسهمت في إغناء المشهد الأدبي بأعماله المتميزة، وإسهاماته الصحفية وترجماته المتقنة.
ولد حسونة المصباحي في 2 أكتوبر 1950، في «قرية الذهيّبات» التابعة لمنطقة العلا بريف «القيروان»، وهي بيئة ريفية ستبقى حاضرة في العديد من أعماله، حيث شكّلت خلفية ثقافية وإنسانية غنية لتجربته الأدبية. درس الآداب الفرنسية في جامعة تونس، قبل أن ينتقل في وقت لاحق إلى «ميونيخ الألمانية»، حيث عاش لأكثر من عشرين سنة، واشتغل بالصحافة الأدبية والثقافية، مما جعله جسرًا حيويًا بين الثقافة العربية والغربية.
تميّز المصباحي بقدرته
على الكتابة في مختلف الأجناس الأدبية، فكان «قاصًا، روائيًا، كاتب مقالات، وصحفيًا
أدبيًا» بارزًا. كتب أولى قصصه في سبعينيات القرن الماضي، وسرعان ما لفت الأنظار إلى
أسلوبه الذي يجمع بين السرد الحميمي والتأمل الفلسفي، واللغة المشبعة بالحس الجمالي
والمعرفة العميقة بالثقافة العربية والغربية.
من بين أبرز أعماله
الروائية نذكر:
"نص استثنائي"
"حكاية الجنون العادي"
"الخميلة"
"الآخرون"
"حارة السفهاء"
وتُعد هذه الأعمال
محطات مهمة في تطور الرواية التونسية الحديثة، حيث عالجت قضايا الانتماء، والهوية،
والاغتراب، والتوتر بين الذات الفردية والمجتمع، وبين التراث والحداثة.
إلى جانب كتاباته الأدبية،
كان المصباحي صحفيًا ثقافيًا مرموقًا، نشر مقالاته في صحف ومجلات عربية كبرى مثل «الشرق
الأوسط»، و»الحياة»، و»العرب»، و»البيان». كما أسهم في ترجمة العديد من الأعمال من
اللغة الألمانية إلى العربية، معرّفًا القراء العرب بأسماء أوروبية بارزة في الفكر
والفن.
وقد عُرف بحواراته
العميقة مع كبار المفكرين والمثقفين العرب، وكانت مقالاته تعكس دائمًا انحيازًا للحداثة
العقلانية، ودفاعًا عن قيم الحرية، ورفضًا للتيارات الظلامية والانغلاق الهوياتي.
أعلنت وزارة الشؤون
الثقافية التونسية عن وفاته، ونعته في بيان رسمي جاء فيه:
"فقدت تونس اليوم قامة أدبية كبيرة، وضميرًا
ثقافيًا ظل لعقود طويلة صوتًا نقديًا حرًا، وسندًا للثقافة التنويرية في بلادنا".
ونعت مؤسسات ثقافية
وصحف عربية الكاتب الراحل، مستذكرة إسهاماته في النهوض بالحوار الثقافي، ودوره في تمثيل
الأدب التونسي في المحافل الدولية.
من المقرر أن يُوارى
جثمان الفقيد الثرى يومه «الخميس 5 جوان 2025»، بعد صلاة العصر، في مسقط رأسه «الذهيبات
- حفوز»، وسط حضور متوقع لأدباء ومثقفين ووجوه عامة من مختلف أنحاء البلاد.
رحيل حسونة المصباحي
ليس مجرد فقدان لشخص، بل هو غياب صوتٍ كان يشكّل توازنًا نادرًا بين العمق الأدبي والوضوح
المعرفي. لقد كتب عن الذاكرة والهامش والمنفى، وواجه زمنه بالحبر، متسلحًا بجماليات
اللغة وصدق التجربة.
وإذ يغادرنا اليوم،
فإنه يترك خلفه مكتبة من النصوص التي ستبقى شاهدة على رُقيّ كاتب، كان يرى في الأدب
ملاذًا للعقل والروح، وسلاحًا في وجه الرداءة والنسيان.
رحم الله حسونة المصباحي،
وأسكنه فسيح جناته.
0 التعليقات:
إرسال تعليق