الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الاثنين، أغسطس 11، 2025

يوم القيامة الذي فضح خوف النظام الجزائري من شعبه: عبده حقي


في مساء الثامن من أغسطس 2025، بدا وكأن أنصار السلطة الجزائرية قد تنفسوا الصعداء، معتبرين أن يوماً من أشدّ أيام القلق قد مرّ بسلام. فقد عمّت نبرة الانتصار في وسائل الإعلام الموالية للنظام، واشتعلت المنصات بخطاب دعائي يصوّر ما جرى كصفعة موجعة "لأعداء الوطن" وانتصاراً على ما وصفوه بمحاولات "التدخل الخارجي" و"الفتنة الداخلية".

الخطاب الرسمي ذهب بعيداً في الاحتفاء، متجاهلاً أن ما حدث لم يكن سوى حملة تخويف وقائية، حشد فيها النظام كل أجهزته الأمنية والإعلامية، وفرض حالة استنفار قصوى لمواجهة دعوات للتظاهر لم تتجاوز فضاء مواقع التواصل الاجتماعي، ومعظمها بلا هوية معلنة أو قيادة معروفة. ومع ذلك، تعاملت السلطات معها وكأنها تهديد وجودي، لتكشف حجم الارتباك والهلع داخل أروقة الحكم.

قبل الموعد بيومين، شهدت البلاد موجة اعتقالات طالت ناشطي الحراك، تلتها تحقيقات مكثفة وضغوط لإجبارهم على توقيع تعهدات بعدم المشاركة في أي احتجاج. بالتوازي، جرى استدعاء جميع عناصر الأمن، من الشرطة إلى المخابرات، وإلغاء إجازاتهم، وإطلاق خطة انتشار أمني واسعة في العاصمة والمدن الكبرى. كل ذلك في قلب شهر أغسطس اللاهث بحرارته، فقط لإجهاض تحركات شعبية لم تخرج أصلاً إلى الشوارع.

الخطاب الدعائي حاول إقناع الجزائريين بأن تلك الدعوات صادرة عن أجهزة استخبارات أجنبية وشبكات إسلامية متطرفة في الخارج، وأن الشعب أفشل المؤامرة بوعيه ووحدته. لكن المنطق يطرح سؤالاً حرجاً: إذا كان الشعب متماسكاً وموحداً خلف قيادته، كما يزعم النظام، فلماذا كل هذا الرعب من مجرد منشورات على "فيسبوك"؟ ولماذا هذا الاستنفار الشامل إذا كانت التهديدات حقاً خارجية وبعيدة عن التأثير المباشر على الداخل؟

الحقيقة، كما يراها مراقبون، أن الثامن من أغسطس كان فخاً محكماً وقع فيه النظام، إذ أظهر للعالم وللجزائريين أنه يخشى الشارع أكثر من أي خصم خارجي. فبدلاً من التعامل بثقة مع دعوات مبهمة، اختار إغراق البلاد في مشهد أمني خانق، ما عكس هشاشته البنيوية وافتقاره لقاعدة شعبية صلبة.

ما جرى يدخل، وفق محللين، في إطار ما يعرف بـ"حرب الاستنزاف"، حيث يتعمد الخصم إطلاق هجمات أو تهديدات منخفضة الحدة، لكن على فترات متكررة، لإجبار الطرف المستهدف على استهلاك طاقاته وموارده في ردود فعل مبالغ فيها، وصولاً إلى إنهاكه معنوياً ومادياً. وهذا ما تحقق بالفعل، إذ استنزفت السلطة طواقمها الأمنية، وأرهقت بنيتها الدعائية في معركة ضد شبح لم يتجسد على الأرض.

 

ولعل المفارقة أن النظام نفسه وفّر لمعارضيه الدليل على ضعفه، حين حوّل يوماً عادياً إلى حالة طوارئ وطنية، وأرسل رسالة واضحة مفادها أن أي حراك شعبي، حتى لو بدأ تحت لافتة التضامن مع فلسطين، يمكن أن يتحول في نظره إلى تهديد داخلي وجودي.

في المحصلة، لم يكن الثامن من أغسطس "انتصاراً" كما روّجت السلطة، بل كان مشهداً كاشفاً لعمق أزمة الثقة بين الحاكم والمحكوم، ودليلاً على أن الخوف من الشعب، لا "المؤامرات الخارجية"، هو ما يحكم سلوك النظام الجزائري اليوم.

0 التعليقات: