ليست منصة تيك توك بنكًا، لكنها آلة ضخمة لصناعة الانتباه وجذب المدفوعات، تقوم على شبكات الدفع، ومتاجر التطبيقات، وأسواق صانعي المحتوى، وشبكة معقدة من الخدمات التابعة. إن هذا ما يجعل منها مصيدة جذابًة لمجرمين.
الرابط الأساسي مع غسل الأموال لا يتعلق بتيك توك بحد ذاته بقدر ما يتعلق بكيفية استخدام المنصات الاجتماعية – وتيك توك في مقدمتها بحكم حجمها وانتشارها وجمهورها الشاب – في التجنيد، والهندسة الاجتماعية، ومسارات تحقيق الأرباح التي تسمح بتحريك الأموال غير المشروعة بسرعة وبصورة غامضة عبر الحدود.
لقد حذّرت الجهات التنظيمية
وأجهزة إنفاذ القانون من هذه الأنماط منذ سنوات؛ حيث تشير تقارير "يوروبول"
إلى أن العصابات الإجرامية تجند بشكل روتيني "أحصنة الأموال" عبر منشورات
اجتماعية تعدهم بأرباح سريعة، ثم تمرر هذه الأحصنة الأموال عبر حساباتهم لإخفاء المصدر
والملكية.
أولًا، إن اقتصاد صانعي
المحتوى على تيك توك يتيح تحويل القيمة داخل التطبيق (مثل العملات والهدايا والبث المباشر)
وخارجه (روابط التسويق بالعمولة، التجارة الإلكترونية، التحويلات إلى العملات المشفرة).
وعلى الرغم من أن المنصة تفرض إجراءات امتثال، إلا أن مزيج المدفوعات الصغيرة، والوسطاء،
والتحويلات عبر جمهور دولي يمكن أن يطمس هوية المستفيد الفعلي ومصدر الأموال. وقد أثارت
هذه المخاطر انتباه الجهات الرقابية، إذ ناقش محللون في تقرير عام 2024 قضايا قانونية
تتعلق بادعاءات حول نشاط نقل أموال غير مرخص من خلال ميزات المنصة التي تسمح للمستخدمين
بإرسال القيمة الرقمية. الفكرة ليست أن "تيك توك يغسل الأموال" بل أن أي
منصة تمكّن المدفوعات المباشرة على نطاق واسع تحمل في طياتها مخاطر غسل الأموال إذا
كانت الضوابط ضعيفة.
ثانيًا، الرسم البياني
الاجتماعي لتيك توك يعمل كمضاعف قوة لتجنيد "بغال الأموال" – وغالبًا ما
يكونون مراهقين أو طلابًا – عبر مقاطع فيديو أو رسائل خاصة تروج لفكرة "الربح
السهل". وقد حددت تقارير التقييم الوطني للجريمة شبكات التواصل الاجتماعي، ومنها
تيك توك، كقنوات تُستخدم للإعلان عن خدمات التهريب، والوثائق المزورة، والمساعدة في
الاحتيال – وهي أنشطة تتداخل مع عمليات غسل الأموال.
ثالثًا، يعد تيك توك
وسيطًا مثاليًا لجذب ضحايا الاحتيال (سواء كان احتيالًا عاطفيًا، أو استثماريًا، أو
ما يُعرف بـ"ذبح الخنزير") الذي يولد عائدات تُغسل لاحقًا. وقد حذّرت وحدات
الاستخبارات المالية من عمليات الاحتيال عبر وسائل التواصل الاجتماعي، واستخدام تقنيات
الذكاء الاصطناعي العميق في الاحتيال، والحسابات الوهمية، والتحويلات إلى أصول افتراضية
– وهي تكتيكات تبدأ غالبًا بفيديو قصير أو بث مباشر، ثم تنتقل بالضحايا إلى تطبيقات
مراسلة ومسارات دفع خارجية. حتى أن بعض الدول تصدر بيانات إحصائية تفصيلية حول القنوات
المستخدمة؛ ففي بيانات سنغافورة لعام 2024، تبين أن 13٪ من عمليات الاتصال المرتبطة
بالاحتيال عبر وسائل التواصل الاجتماعي بدأت على تيك توك – وهي نسبة أقل من فيسبوك
لكنها تظل رقمًا مهمًا بالنسبة لمنصة واحدة.
لماذا يصل هذا إلى
مستوى قضية أمن قومي بالنسبة للدول؟ لأن غسل الأموال هو النسيج الرابط بين الجرائم
العابرة للحدود. فقد أظهرت عمليات الإنتربول الأخيرة ضد الاحتيال عبر الإنترنت استرداد
مئات الملايين من الدولارات وتنفيذ آلاف الاعتقالات، مما يوضح حجم هذه الشبكات وتنسيقها
الدولي. هذه الشبكات نفسها تعيد استثمار أرباحها في أسواق إجرامية أخرى، وتفسد المسؤولين
المحليين، وتموّل حملات تأثير معادية. وكما تؤكد تقارير الإنتربول وفريق العمل المالي (FATF)، فإن الاحتيال المتقدم وغسل
الأموال يقوضان الحوكمة، ويستنزفان مدخرات الأسر، ويقوضان الثقة في النظام المالي
– وهي عوامل كلاسيكية تسبق عدم الاستقرار.
إضافة إلى ذلك، يمكن
أن تتقاطع مدفوعات المنصات مع مخاطر التهرب من العقوبات وتمويل الإرهاب إذا استغل الفاعلون
غير المشروعين الثغرات في إجراءات "اعرف عميلك" (KYC)، أو في تسجيل التجار، أو في أنظمة تحويل الأموال
عبر الحدود. إن مؤشرات الخطر التي حددها فريق العمل المالي للأصول الافتراضية – مثل
سرعة التحويلات، والتلاعب عبر منصات متعددة، والحسابات الوهمية – تتوافق مع المسارات
الخارجية غالبًا المرتبطة بمكافآت صانعي المحتوى وبرامج التسويق. وحتى إذا كان نظام
الامتثال في تيك توك قويًا، فإن نقاط الضعف قد تكون في الخدمات المساندة التي تتولى
صرف دخل صانعي المحتوى أو تحويل الهدايا إلى عملات ورقية أو مشفرة.
يجب الحذر من المبالغة
في الربط المباشر. فمعظم الأرقام المتعلقة بغسل الأموال تأتي على مستوى النظام المالي
ككل، وليس على مستوى منصة بعينها. لكن هناك مؤشرات: السلطات البريطانية والأوروبية
تركز على مكافحة "بغال الأموال" وتذكر بشكل صريح وسائل التواصل الاجتماعي
كأداة للتجنيد؛ بيانات البنوك الإيرلندية تُظهر غسل عشرات الملايين عبر حسابات البغال
في السنوات الأخيرة؛ والتقارير الأوروبية الأوسع توضح نموًا حادًا في عمليات الاحتيال
المعتمدة على التلاعب الاجتماعي والمدعومة بالذكاء الاصطناعي. هذه البيانات لا تثبت
أن "تيك توك = غسل أموال"، لكنها تظهر أن المنصات الاجتماعية أصبحت جزءًا
أساسيًا من البنية التحتية لخطوط الإمداد من الاحتيال إلى غسل الأموال.
ما الذي يمكن فعله
أمام هذا المشهد المهدد؟
تعزيز الامتثال والمنع
داخل المنصة: فرض إجراءات "اعرف عميلك" أقوى على مدفوعات صانعي المحتوى واسترداد
الهدايا؛ رصد غير الطبيعي من النشاطات مثل تدفقات الهدايا المفاجئة؛ استخدام التحقق
الجغرافي؛ وخفض ترتيب المحتوى الذي يروج لتجنيد "بغال الأموال". وربط ذلك
بتقارير إنفاذ شفافة وإتاحة البيانات للباحثين.
التعاون مع أجهزة الاستخبارات
المالية: نشر المؤشرات التحذيرية وأنماط النشاط المشبوه التي تصدرها الجهات التنظيمية
للبنوك، وربطها بالمنصات الاجتماعية لضبط مسارات غسل الأموال عبر أكثر من منصة.
الوقاية الموجهة للشباب:
بما أن كثيرًا من البغال هم من القاصرين أو الشباب، فإن حملات التوعية في المدارس والجامعات،
والإعلانات التوعوية داخل التطبيقات، ضرورية. وهناك تجارب في المملكة المتحدة تستحق
الاقتداء بها.
تنظيم مدفوعات المنصات
وفق معايير
FATF: إذا كانت
التطبيقات الاجتماعية تتيح فعليًا التحويلات المالية بين الأفراد وصانعي المحتوى، فعلى
المشرعين تحديد التزامات مماثلة لتلك المطبقة على شركات خدمات الأموال، وإغلاق المناطق
الرمادية التي يستغلها المجرمون.
الخلاصة
نعم – هناك علاقة بين
تيك توك وغسل الأموال والتهديد الأمني للدول، لكنها غير مباشرة ومنهجية. فحجم تيك توك،
وخصائصه المرتبطة بالمدفوعات، وديناميكيات الهندسة الاجتماعية، تجعله عنصرًا ممكّنًا
قويًا ضمن سلاسل الجريمة المنظمة، وليس سببًا وحيدًا لغسل الأموال. وبالنسبة للدول،
يكمن الخطر الأمني في المجموع الكلي: أرباح الاحتيال التي تمر عبر شبكات "بغال
الأموال" المجندة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتتوزع عبر المدفوعات الرقمية
والأصول الافتراضية، ثم تُستخدم في تمويل أنشطة إجرامية أو معادية أوسع. التحدي إذن
ليس في استهداف منصة واحدة، بل في تحصين النظام الكامل الممتد من وسائل التواصل الاجتماعي
إلى أنظمة الدفع – من خلال التصميم الآمن للمنصات، ويقظة القطاع المالي، وتنظيم متوافق
مع معايير
FATF – حتى لا
تتحول مقاطع الفيديو القصيرة إلى غطاء طويل الأمد لتمويل غير مشروع.
0 التعليقات:
إرسال تعليق