1
وضعتُ فنجان قهوتي على شاهدةٍ من رخام،
لم أكن أودّ توديعك بالدمع وحده.
القهوة مرّة، لكنها أقل مرارة من الغياب،
فشربتُ نصفها وتركْتُ نصفها لعطشك الأبدي.
2
كلّ صباحٍ أمرّ من هنا،
أشعل قصيدةً صغيرة وأضعها بجوار الفنجان.
كأنني أعلّم الريح أن تحفظ اسمك،
أو أعلّم الموت أن يشاركنا الاستراحة.
3
قالوا إن القبور صامتة،
لكنني سمعتُ رشفاتك تتردّد من أعماقي.
كل رشفةٍ كانت سؤالاً مؤجَّلاً،
وكل صمتٍ كان جواباً يوجع أكثر من الكلام.
4
أنا حيّ لأنني ما زلت أُحضّر قهوتي،
وأنت حيّ لأنني ما زلت أضعها هنا.
بين فنجانين يتقاطع نهرا الزمن،
ويذوب السكر في ليلٍ بلا شروق.
5
لا أحد يزورك غيري،
لكن العالم يزدحم عند حدود غيابك.
أنا أضع الفنجان شاهداً إضافياً،
كي يعرفوا أنّ القهوة صارت صلواتي.
6
رائحة البنّ تتسرّب من التراب،
توقظ في داخلي عصافير لم تعد تطير.
أشرب وحدي، وأتذكّر أننا كنّا نختلف:
أنت تزيد السكر… وأنا أزيد المرارة.
7
أكتب اسمك على بخار القهوة،
فيختفي بسرعةٍ كما اختفيتَ.
لكنني أعيد الكتابة بعناد طفلٍ،
يظن أنّ الأب لن يغيب إذا أعاد النداء.
8
القبر طاولة صغيرة،
والسماء مقهى بلا سقف.
أجلس قبالتك وأنتظر أن تمد يدك،
لكن الغيم يعتذر نيابةً عنك.
9
قال لي الحارس: لماذا القهوة كل مرة؟
أجبته: لأن الروح لا تأكل الورود.
الروح تريد ما أحبّت وهي حيّة،
وأنا أصرّ أن أُطعم غيابك بما بقي مني.
10
في النهاية، لم أعد أفرّق بيني وبينك،
أنا القبرُ، وأنت الفنجان.
أنا التراب، وأنت العطر المتبخّر.
كأننا اتفقنا أن نذوب معاً في مرارة واحدة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق