شكلت بداية الثمانينات منعطفًا أعاد ترتيب معادلات الداخل والخارج معًا. بين قبول الملك الحسن الثاني بفكرة الاستفتاء تحت إشراف أفريقي-دولي، ورفض جزء معتبر من المعارضة، ثم الانسحاب من منظمة الوحدة الإفريقية سنة 1984، تبلورت عقيدة جديدة في إدارة النزاع وأدواته الدبلوماسية والأمنية.
في قمة نيروبي سنة 1981 أعلن الملك الحسن الثاني قبوله تنظيم استفتاء في الصحراء برعاية أفريقية، في تحول قرأته عواصم عدة كبرهنة على استعداد المغرب للجوء إلى آلية تقرير المصير ضمن إطار يضمن الأمن والاستقرار الإقليميين. هذا القبول لم يكن قطيعة مع ثوابت الوحدة الترابية، بل محاولة لإخراج الملف من استنزاف الحرب ووضعه ضمن معايير قانونية دولية حيث تُدار القوة بلغة القوائم والإجراءات. لقد اعتُبر ذلك خطوة براغماتية أراد بها الملك الراحل مواجهة خصومه في ميدان الشرعية الدولية لا فقط في ميدان المعارك.
على الصعيد الداخلي،
لم يمر الإعلان دون كلفة سياسية. فقد قاد عبد الرحيم بوعبيد، زعيم الاتحاد الاشتراكي
للقوات الشعبية، موقفًا متحفظًا اعتبر أن القبول باستفتاء على الإقليم قد يُفهَم كتفويض
بجدل السيادة. أصدر الحزب بيانًا ناقدًا لهذا التوجه، واعتُقل بوعبيد وعدد من قيادات
حزبه في خريف 1981 وحُكم عليهم بالإقامة الجبرية. وقد شكّل هذا الحدث لحظة فارقة هزت
صورة الإجماع الوطني حول إدارة الملف، وأثارت نقاشًا حول حدود الجدل المشروع في القضايا
التي تعتبرها الدولة مصيرية.
ومع أن شهادات لاحقة
أوضحت أن الاعتراض كان على الشروط والتوقيت أكثر من المبدأ نفسه، إلا أن جوهر الخلاف
ظل متركزًا حول الخوف من أن تتحول آلية الاستفتاء إلى أداة تفريط في السيادة. بهذا
المعنى، كان الموقف الاتحادي موقفًا وطنيًا بطابع مبدئي، وإن كلف أصحابه مواجهة مباشرة
مع الدولة.
بعد ثلاث سنوات، وتحديدًا
سنة 1984، قبلت منظمة الوحدة الإفريقية عضوية ما يسمى بـ"الجمهورية الصحراوية
الوهمية". ورد المغرب بالانسحاب من المنظمة احتجاجًا على ما اعتبره خرقًا لشروط
الحياد وتناقضًا مع ميثاق المنظمة نفسه. بذلك تحول المسار الإفريقي من رافعة محتملة
لتنظيم الاستفتاء إلى ساحة تجاذب قانوني وسياسي دفعت المغرب إلى الرهان على الدبلوماسية
الثنائية والقطاعية مع دول القارة خارج أطر المنظمة.
الانسحاب لم ينهِ حضور
المغرب في إفريقيا، لكنه غيّر أدواته. فقد عملت الرباط منذ ذلك الحين على توسيع شراكاتها
الاقتصادية والدينية والثقافية، حتى عادت سنة 2017 إلى الاتحاد الإفريقي ضمن منطق جديد
يقوم على التعاون والمصالح المتبادلة.
على المسار الأممي،
مثّلت سنة 1988 نقطة ارتكاز حين قبلت الرباط وخصومها مقترحات التسوية برعاية الأمم
المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية. هذا المسار تُوّج بإنشاء بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء
في الصحراء (مينورسو) سنة 1991 وإقرار وقف إطلاق النار. كان من المفترض أن يُجرى الاستفتاء
في يناير 1992، غير أن الخلافات حول تحديد الهيئة الناخبة والمعايير الإجرائية أدت
إلى تعطيله، فدخل الملف في مرحلة "النزاع المجمّد" التي ما زالت قائمة حتى
اليوم.
دلالات سياسية
براغماتية الدولة:
قبول الاستفتاء لم يكن تراجعًا عن الثوابت، بل توظيفًا لأداة دولية لإخراج النزاع من
استنزاف الحرب إلى إطار قانوني.
معارضة وطنية بطابع
مبدئي: موقف عبد الرحيم بوعبيد جسّد قناعة سياسية ترى أن بعض صيغ الاستفتاء قد تحمل
مخاطر على السيادة.
الأفريقانية البراغماتية:
الانسحاب من المنظمة لم يلغِ البعد الإفريقي في السياسة المغربية، بل أعاد تشكيله بأدوات
اقتصادية وثقافية انتهت بالعودة إلى الاتحاد سنة 2017.
الإطار الأممي: ولادة
مينورسو أوقفت الحرب لكنها حبست آلية الاستفتاء في تفاصيل تقنية متنازع عليها، وهو
ما فتح الباب لاحقًا لبدائل مثل مقترح الحكم الذاتي.
قائمة المراجع الموثوقة
(مختارة)
منظمة الوحدة الإفريقية
– قرارات قمة نيروبي 1981.
وزارة الخارجية الأمريكية
– وثائق العلاقات الخارجية (FRUS) 1981–1988.
أمنستي إنترناشيونال
(1982) – تقارير حول اعتقال قيادات الاتحاد الاشتراكي.
الموسوعة – الجزيرة
(2014) – سيرة عبد الرحيم بوعبيد.
يابلادي (2017) – تقرير
تاريخي عن انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية.
اللجنة الدولية للصليب
الأحمر – خلفيات قبول "الجمهورية الصحراوية" في المنظمة 1984.
الأمم المتحدة – قرار
مجلس الأمن 690 (1991) حول إنشاء بعثة مينورسو.
الأمم المتحدة – خلفية
حول الجدولة الأصلية للاستفتاء 1992.
هيومن رايتس ووتش
(1995) – تقرير عن وقف إطلاق النار والاستفتاء المؤجل.
الجزيرة (2017) – تغطية
عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي.
روابط مكتبات رقمية
AU Archives – قرار قمة نيروبي 1981
UN Digital
Library – وثائق
لجنة تنفيذ قضية الصحراء
FRUS – وزارة الخارجية الأمريكية
MINURSO – موقع الأمم المتحدة
USIP – Special
Report 166
0 التعليقات:
إرسال تعليق