الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، سبتمبر 11، 2025

ميثولوجيا يوم القيامة ونهاية العالم: قراءة أنثروبولوجية: عبده حقي


تحتل فكرة نهاية العالم ويوم القيامة مكانة مركزية في وعي الإنسان منذ بدايات الحضارة. فمنذ اللحظة التي بدأ فيها الإنسان يتساءل عن أصل الكون ومصيره، ظهرت سرديات أسطورية ودينية تحاول تفسير النهاية الكبرى التي ستطوي صفحة الوجود. هذه الفكرة ليست حكراً على دين أو ثقافة بعينها، بل هي ظاهرة إنسانية شاملة، نجد لها جذوراً في الميثولوجيا السومرية والبابلية والديانات الإبراهيمية والديانات الشرقية على حد سواء.

الموروث الديني الإسلامي يقدّم صورة تفصيلية ليوم القيامة، بدءاً من النفخ في الصور، مروراً بالبعث والحشر، وصولاً إلى الحساب والجزاء. وفي المسيحية، نجد فكرة "القيامة الثانية" وعودة المسيح المخلّص ليدين العالم. أما في الديانة اليهودية، فتبرز نبوءات "آخر الأيام" التي ترتبط بالخلاص الجمعي للشعب المختار. وفي الديانات الشرقية مثل الهندوسية والبوذية، نجد سرديات أخرى تقوم على فكرة الدورات الزمنية المتكررة، حيث تنتهي دورة ليبدأ الكون من جديد.

من منظور أنثروبولوجي، يمكن القول إن الميثولوجيا المتعلقة بالنهاية تجسد قلق الإنسان الوجودي العميق، ورغبته في إيجاد معنى لحياته القصيرة في مواجهة موت محتوم. كما أنها تعكس علاقة الإنسان بالطبيعة والقوى الغيبية، إذ غالباً ما ارتبطت النهايات الكبرى بالكوارث الطبيعية كالطوفان والزلازل والبراكين، والتي فسّرها القدماء باعتبارها علامات غضب إلهي أو تحولات كونية جذرية.

الميثولوجيا الأخروية لم تبقَ في حدود الدين فقط، بل امتد تأثيرها إلى الحقل الثقافي والسياسي. كثير من الجماعات وظّفت خطاب النهاية لتبرير وجودها أو لتأكيد شرعية مشروعها. فعبر التاريخ، ظهرت حركات مسيحية ويهودية وإسلامية تنتظر "المخلّص" أو "المهدي"، معتبرة نفسها ممثلة للحقيقة النهائية. وحتى في العصر الحديث، نجد صدى لهذه الميثولوجيا في أدبيات نهاية العالم النووية أو السيناريوهات البيئية التي تتنبأ بانهيار الكوكب بسبب تغيّر المناخ.

ما يثيره في هذا السياق هو الدعوة إلى مقاربة عقلانية وناقدة لهذه المرويات. فالمطلوب ليس إنكار بعدها الروحي أو الديني، وإنما إدراك طبيعتها كبنى رمزية تشكّلت استجابة لأسئلة الإنسان العميقة. قراءة الميثولوجيا بوصفها مرآة للثقافة الإنسانية تتيح لنا تجاوز التفسيرات الحرفية نحو فهم أشمل لتجربة الإنسان مع الزمن والموت والمصير.

إن ميثولوجيا يوم القيامة ونهاية العالم تظل واحدة من أبرز تجليات الخيال الإنساني في مواجهة سؤال الوجود. فهي تحكي عن خوف الإنسان من الفناء، وعن توقه للعدل المطلق الذي قد يعجز عن تحقيقه في حياته اليومية. ومن خلال دراستها أنثروبولوجياً وثقافياً، يمكننا أن نفهم كيف صاغت المجتمعات رؤيتها للعالم ولمستقبلها، وكيف ما تزال هذه الرؤى تؤثر في حاضرنا حتى اليوم.

0 التعليقات: