تتوالى التسريبات والتحقيقات الإعلامية حول ما أصبح يُعرف بـ"قضية ناصر الجن"، الضابط السابق في الجيش الجزائري، والتي أثارت جدلاً واسعاً في الداخل والخارج، وفتحت الباب على مصراعيه أمام أسئلة جوهرية تتعلق بطبيعة السلطة في الجزائر، وعلاقاتها المتشابكة بين الأجهزة الأمنية والعسكرية والسياسية. فبين من يصف ناصر الجن بالخائن، ومن يعتبره كبش فداء في صراع كبار الجنرالات، تظل الحقيقة متسترة خلف جدار من التلاعب والتضليل الإعلامي.
فقد أحدثت الأخبار
المتداولة عن اعتقال ناصر الجن صدمة في الأوساط الجزائرية، خصوصاً بعد تداول مقاطع
إعلامية تتحدث عن ضلوعه في ما يسمى بـ"خطة النسور"، وهي خطة سرية قيل إنها
تهدف إلى إعادة ترتيب موازين القوى داخل المؤسسة العسكرية. غير أن الأسئلة ظلت مفتوحة:
هل كان الرجل مجرد منفذ لأوامر عليا قبل أن يُستعمل كبيدق، أم أنه بالفعل تورط في مشروع
انقلاب أو تسريب معلومات حساسة؟
القضية كشفت من جديد
عن الانقسامات الحادة داخل الجيش الجزائري، حيث تبرز أسماء كولونيل مروان وآخرين، كجزء
من لعبة النفوذ بين أجنحة مختلفة. هذه الانقسامات ليست وليدة اليوم، بل هي امتداد لصراعات
طويلة منذ التسعينيات، حين تحولت المؤسسة العسكرية إلى لاعب سياسي أول، متحكمة في مصير
البلاد.
ومع مرور الوقت، تعمقت
هذه الانقسامات، خصوصاً بعد الحراك الشعبي في 2019، الذي أجبر المؤسسة العسكرية على
التضحية ببعض رموزها لإعادة إنتاج شرعية جديدة. واليوم، تعود نفس اللعبة: اتهامات متبادلة
بالخيانة، ومشاريع انقلابية، ومسرحيات إعلامية تُخفي أكثر مما تكشف.
يتساءل العديد من المراقبين:
هل نحن أمام قضية حقيقية تهدد أمن الدولة، أم أمام سيناريو مُحكم يستعمله النظام لتصفية
حساباته الداخلية؟ المعلومات المتداولة تحمل أكثر من قراءة. فمن جهة، يُظهر الخطاب
الرسمي أن الجن وأمثاله "خونة" تآمروا ضد الدولة، ومن جهة أخرى، يُلمّح بعض
الصحفيين والمحللين إلى أن ما يجري ليس سوى عملية "إخراج سيناريو" جديدة
لإعادة ترتيب الكراسي بين كبار الجنرالات.
لا يمكن فصل هذه التطورات
عن السياق الإقليمي، خاصة أن المؤسسة العسكرية الجزائرية تعيش هاجس الصراع مع المغرب،
والملف الصحراوي، والعلاقة المتوترة مع فرنسا. وبالتالي، فإن كل فضيحة أو صراع داخلي
يتحول إلى نقطة ضعف تُستغل دبلوماسياً من قبل خصوم الجزائر. بل إن بعض المحللين يرون
أن تضارب الأجنحة يضعف موقع الجزائر التفاوضي في ملفات حساسة، من الغاز إلى الأمن الإقليمي
في الساحل والصحراء.
قضية ناصر الجن ليست
حدثاً معزولاً، بل هي مرآة لواقع سياسي مأزوم يعيش على وقع صراعات الأجنحة داخل المؤسسة
العسكرية. وبين "خطة النسور" المجهضة، واتهامات الخيانة، والتلاعب الإعلامي،
يظل السؤال الأكبر: من يخون من؟ وهل الخيانة هنا مرتبطة بأفراد، أم بمنظومة كاملة لم
تعد قادرة على التماسك إلا عبر تصفية الحسابات الداخلية؟
0 التعليقات:
إرسال تعليق