فاطمة عاطف.. تكريم بطعم المواويل
في ساحة الضوء والظل التي تسكن ذاكرة الفن المغربي، يبرز اسم الفنانة فاطمة عاطف كرمزٍ للمثابرة والأداء الأصيل. تكريمها الأخير لم يكن مجرد احتفاء بمسارٍ فني طويل، بل لحظة استعادة لصوتٍ مغربيٍّ ظلّ يُغنّي المواويل ويؤثث الذاكرة الجماعية بإيقاعٍ محليٍّ دافئ.
تتويج المغرب في جائزة اللغة العربية
في سياقٍ آخر من إشراقات المشهد الثقافي، جاء تتويج المغرب في جائزة اللغة العربية ليؤكد عمق الانتماء إلى فضاءٍ لغويٍّ يتجاوز الحدود الجغرافية. فاللغة، كما يقول عبد الفتاح كيليطو، ليست وسيلة للتواصل فقط، بل «فضاء للكينونة».
فاز المغرب باستحقاق ضمن فعاليات مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، وهو تتويج يعيد الاعتبار للمدارس المغربية التي اشتغلت بجدٍّ على تطوير مناهج العربية ونقدها وتحديث أساليب تعليمها. ومثل هذه الجوائز، وإن بدت رمزية، فإنها تزرع ثقةً متجددة في قدرة الثقافة المغربية على أن تكون فاعلة لا منفعلة، ومبدعة لا ناقلة.
«عقول رقمية وهوية متجددة».. تزاوج الفكر والتقنية
في زمنٍ تتقاطع فيه الأسئلة حول الذكاء الاصطناعي، جاءت الدراسات الإماراتية-المغربية الموسومة بعنوان «عقول رقمية وهوية متجددة» لتطرح رؤيةً فكرية جديدة: كيف يمكن للعقل العربي أن يتصالح مع الآلة دون أن يفقد ذاته؟
تُظهر هذه الدراسات أنّ مستقبل الثقافة العربية لن يُبنى فقط بالورق والحبر، بل بالشفرة والخوارزمية أيضاً. المغرب، من خلال جامعاته ومراكزه البحثية، يشارك في هذا الحراك بإسهاماتٍ تجمع بين النقد الفلسفي والتطبيق التكنولوجي، في محاولةٍ لخلق توازنٍ بين التراث والابتكار، وبين «الذاكرة الرقمية» و«الهوية الإنسانية».
إنه حوار مفتوح بين ابن رشد و«تشات جي بي تي» إنْ جاز التعبير، حيث يلتقي العقل النقدي مع الذكاء الاصطناعي في فضاءٍ واحدٍ من الأسئلة والأجوبة المتحوّلة.
زمن النسيان العام.. تأمل في ثقافة العبور
كتب كرم نعمة مقالاً لافتاً بعنوان «زمن النسيان العام»، يعالج فيه ظاهرة النسيان الجماعي في زمن التسارع الرقمي. فالمجتمعات الحديثة، كما يرى الكاتب، «تتذكّر بسرعة ما تنسى بسرعة أكبر».
في المغرب أيضاً، يُطرح السؤال ذاته: كيف يمكن أن نصون الذاكرة في زمنٍ يختزل التاريخ في منشورٍ أو تغريدة؟ هنا، يبرز دور المؤسسات الثقافية في إعادة الاعتبار للأرشيف ولحكايات الناس العاديين، لأن الذاكرة الثقافية ليست ترفاً بل شرط وجود.
ربما علينا أن نعيد التفكير في معنى النسيان، لا كفقدانٍ للماضي، بل كحافزٍ لإعادة كتابته من جديد. فكل نسيانٍ يحمل في طيّاته وعداً بالاستذكار.
المؤثرون بلا مؤهلات.. أزمة القيم في الفضاء الرقمي
في مقاله الصادم «المؤثرون بلا مؤهلات»، يسلّط الشهبي أحمد الضوء على ظاهرةٍ باتت تهدّد الذائقة العامة: صعود المؤثرين الذين يملكون جماهير ضخمة دون أن يملكوا معرفةً حقيقية أو رؤية فكرية.
هذا الواقع ليس مغربياً فقط، بل كونيٌّ بامتياز. فمعايير «المحتوى» تحوّلت من القيمة إلى الإثارة، ومن الفكرة إلى الصورة. وبينما يعيش الإعلام الثقافي أزمة تمويلٍ وتراجعاً في القراء، يملأ الفراغَ جيشٌ من المؤثرين الذين يحوّلون الثقافة إلى سلعةٍ سريعة الاستهلاك.
لكن، وسط هذا الركام، يظلّ هناك أملٌ في أصواتٍ شبابيةٍ جديدة تحاول استعادة التوازن، تكتب وتبدع وتنشر رغم الضجيج. إنهم أبناء ما بعد «المؤثرين»، جيل الوعي الرقمي الجديد.
سلطة اللغة.. بين الفكر والهوية
في مقال «سلطة اللغة» للكاتب لحسن الياسميني، نجد تأملاً عميقاً في مكانة اللغة كأداةٍ للهيمنة والتحرّر معاً. فاللغة، كما يقول ميشيل فوكو، ليست بريئة، إنها سلطةٌ تُنتج الخطاب وتوجّهه.
الياسميني يستعيد هذا المعنى في السياق المغربي حيث تتنازع العربية والأمازيغية والفرنسية على المشهد اللغوي، ويقترح أن نقرأ هذه التعددية لا كصراعٍ بل كثراءٍ ثقافيٍّ يجب إدارته بحكمة.
اللغة هنا ليست فقط وسيلة للتفاهم، بل مشروع وطنيٌّ يعبّر عن الذات، وكلّ انحرافٍ في هذا المشروع يعني فقدان البوصلة الثقافية. لذلك، فإنّ الدفاع عن اللغة هو في جوهره دفاعٌ عن كرامة الفكر.
الآثار المهدَّدة في كلميم.. صرخة الذاكرة الحجرية
في الجنوب المغربي، يُطلق ناشطون نداءً عاجلاً لحماية الموقع الأثري بكلميم الذي يضم نقوشاً صخرية وقبوراً جنائزية مهددة بالتخريب. الخبر الذي نشره موقع لكم أثار نقاشاً واسعاً حول غياب الوعي التراثي لدى بعض الجهات.
هذه النقوش ليست مجرد حجارة صامتة، بل نصوصٌ أولى كتبتها يد الإنسان قبل أن يعرف الورق. إنها الذاكرة الحجرية التي تربطنا بالإنسان الأول، وتذكّرنا بأنّ الفن لم يكن يوماً ترفاً، بل غريزة وجود.
المطلوب اليوم أن تتحول حماية التراث من مبادرات موسمية إلى سياسةٍ دائمة، لأن من يهدم تاريخه يهدم مستقبله أيضاً.
سعيد بوكرامي.. ترجمان العبور بين الحضارات
اختيار الكاتب المغربي سعيد بوكرامي ضمن المرشحين لنيل جائزة ابن خلدون-سنغور للترجمة (2025) هو اعتراف بمسارٍ طويلٍ من الجسور اللغوية التي بناها بين العربية والفرنسية.
الترجمة، كما يراها بوكرامي، ليست نقلاً بل «عبور ثقافي»، وهي في جوهرها فعل حبٍّ تجاه النصوص. فكل مترجمٍ هو عاشقٌ يفتح نافذةً على الآخر دون أن يفقد دفء بيته الأول.
هذا الترشيح يؤكد حضور المترجم المغربي في الساحة العالمية، ويذكّرنا بأنّ الحوار بين اللغات هو الطريق الأجمل نحو إنسانيةٍ مشتركة تتجاوز الحدود والإيديولوجيات.
جائزة مجمع الملك سلمان.. المغرب في قلب اللغة
مرة أخرى، يبرز اسم المغرب في قائمة المتوَّجين بجائزة مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية، الدورة الرابعة لعام 2025. هذا التتويج يعكس حيوية الساحة المغربية في مجال الدراسات اللغوية والترجمة.
فمن جامعة فاس إلى الرباط، ومن مراكز البحث إلى المنتديات الرقمية، تتكاثر المبادرات التي تحاول تجديد الدرس اللغوي وإدماجه في مشروع ثقافي أوسع.
إنّ اللغة العربية في المغرب ليست غريبة عن بيئتها، بل حاضرة في الشعر والسينما والموسيقى اليومية. وهذا الاندماج الطبيعي هو سرّ قوتها واستمرارها رغم العولمة.
طنجة.. مهرجان الفيلم الوطني وإقبال جماهيري كبير
في مدينة طنجة، اختُتمت الدورة الخامسة والعشرون من المهرجان الوطني للفيلم المغربي وسط أجواء من الحماس والنقاش الفني المثمر.
الإقبال الكبير من المهنيين وعشاق السينما يؤكد أنّ الجمهور المغربي لا يزال وفياً للفن السابع رغم زحف المنصات الرقمية. وقد عُرضت أفلامٌ ناقشت قضايا اجتماعية حادّة مثل الهجرة والهوية والمرأة.
الفيلم المتوَّج «البحر البعيد» شكّل مفاجأة الدورة، بفضل لغته البصرية الشاعرية وإخراجه المحكم، ما يؤكد أنّ السينما المغربية تتجه بثقةٍ نحو نضجٍ فنيٍّ يعانق العالمية دون أن يفقد محليّته.
بنسليمان.. مهرجان عيطة الشاوية يولد من رحم الأرض
في قلب مدينة بنسليمان، شهدت الساحة الثقافية ميلاد مهرجان عيطة الشاوية في دورته الأولى، احتفاءً بتراثٍ شفهيٍّ طالما ظلّ حبيس الأعراس والمواسم الشعبية.
هذا المهرجان ليس مجرد حدثٍ فني، بل عودةٌ إلى الجذور، إلى تلك الأصوات التي حملت تاريخ الأرض في أهازيجها. فالعيطة ليست غناءً فقط، بل سردٌ للهوية واحتفاءٌ بالمرأة الريفية التي كانت دائماً «ساردة الحكاية».
أنْ يُقام هذا المهرجان في مدينة المونديال المستقبلي، فذلك يحمل رمزية عميقة: المغرب الجديد يحتفي بتراثه بنفس القدر الذي يتهيّأ فيه للمستقبل. بين العيطة وكأس العالم، تتجسد ثنائية الأصالة والحداثة في أبهى صورها.
خاتمة: الثقافة المغربية بين الأمس والغد
من تكريم فاطمة عاطف إلى مهرجان طنجة، ومن النقوش الصخرية في كلميم إلى دراسات الذكاء الاصطناعي، يبدو المشهد الثقافي المغربي لوحةً متكاملة الألوان.
إنه مشهد يتجاوز المركزية الجغرافية ليمتدّ من الصحراء إلى الشمال، من الحرف إلى الصورة، ومن المواويل إلى الخوارزميات. في كل هذه التفاصيل، تتجلى روح مغربٍ يعرف كيف يصون ماضيه وهو يكتب مستقبله.
ربما نستطيع القول إنّ الثقافة المغربية اليوم لا تبحث فقط عن هويةٍ وطنية، بل عن هوية كونية مغربية تتكئ على الذاكرة وتستند إلى التكنولوجيا، وتدرك أنّ الإنسان هو الغاية والوسيلة معاً.
كان معكم عبده حقي







0 التعليقات:
إرسال تعليق