الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


السبت، أكتوبر 11، 2025

نوبل للأدب تكرم كاتب “الجنون الواقعي" لازلو كراسنهووركاي : عبده حقي


في لحظةٍ أدبيةٍ عالميةٍ مفعمةٍ بالدلالات، فاز الكاتب المجري لازلو كراسنهووركاي بجائزة نوبل للأدب لعام 2025، اعترافًا بما وصفته الأكاديمية السويدية بأنه «منجز تخييلي رؤيوي، يُعيد وسط رعبٍ كابوسيٍّ تأكيدَ قوّة الفنّ».

الخبر الذي أعلنه راديو السويد، بدا كما لو أنه عودةٌ إلى روح الأدب الأوروبي العميق؛ ذاك الذي يوازن بين الفوضى والدهشة، بين العبث والبحث عن المعنى.

قال كراسنهووركاي عقب سماعه الخبر: «أنا سعيد وهادئ ومتوتّر في الوقت ذاته». كلمات تلخص تمامًا جوهر أدبه الذي يمزج الهدوء الميتافيزيقي بالعصف الوجودي.

وُلد في عام 1954، واشتهر عالميًا منذ روايته الأولى «ساتانتانغو» (1985)، التي وصفَتها الأكاديمية السويدية بأنها «ظاهرة أدبية حقيقية». الرواية، وهي عمل ما بعد حداثي عن انهيار العالم، تحوّلت عام 1994 إلى فيلم أبيض وأسود للمخرج المجري بيلا تار، استمرّ عرضه سبع ساعات كاملة، في تجربة سينمائية تقارب طقوسَ الجنون الجماعي.

على مدى أربعة عقود، نسج كراسنهووركاي مسارًا أدبيًا متفرّدًا جمع بين السرد الفلسفي والرؤية الأبوكاليبسية، عبر روايات مثل «حزن المقاومة» (1989)، و«حرب وحرب» (1999)، و«سيوبو هناك في الأسفل» (2008) ، وصولًا إلى عمله الحديث «هيرشت 07769» (2021)، الذي اعتُبر «أعظم الروايات الألمانية المعاصرة» لتصويره البارع لاضطراب بلدةٍ ألمانية صغيرة قبل جائحة كورونا، حيث يختلط الانهيار الاجتماعي بالجنون والقتل والحرق.

تقدّم هذه الرواية شخصية فريدة: الشابّ فلوريان هيرشت، اليتيم الضخم الذي يتبنّاه نازيّ سابق ويُدرّبه على تنظيف الغرافيتي. تدور الأحداث في بلدة تئنّ من عبث رموز الذئب المرسومة على نصب باخ الموسيقية، لتصبح استعارةً عن انهيار الذاكرة الثقافية الأوروبية أمام فوضى الرموز الجديدة.

وصفَت لجنة نوبل كراسنهووركاي بأنه «كاتب ملحميّ عظيم في التقاليد الأدبية لأوروبا الوسطى الممتدة من كافكا إلى توماس برنارد، والموسومة بالعبثية والمبالغة الساخرة».

ولم يكن هذا الوصف اعتباطيًا، فالرجل كتب ذات مرة أن أعماله ليست سوى «الواقع وقد تمّ فحصه إلى حدّ الجنون».

تجربته الفكرية متجذّرة في بيئةٍ يهوديةٍ مجريةٍ متوسطة الطبقة، نضجت تحت ظلّ الشيوعية، وتوسعت مع رحلاته منذ انتقاله إلى برلين الغربية عام 1986. هناك، التقط قلقَ أوروبا في تحولها من الجدار إلى العولمة، ومن الإيمان إلى العبث.

في روايته الأخيرة «زسوملي أودافان»، عاد كراسنهووركاي إلى المجر، ليقدّم شخصيةً عجائبيةً أخرى: العم يوزي كادا، الذي يبلغ من العمر واحدًا وتسعين عامًا، ويدّعي سرًا أحقيّته في العرش، لكنه يختار التواري عن العالم.

هكذا يواصل الكاتب مزجه بين التاريخ والخيال والجنون، في ما يشبه مرايا ساخرة لأوروبا التي تتأمل خرابها الداخلي دون أن تفقد سحر اللغة.

لقد نال كراسنهووركاي جائزة مان بوكر الدولية عام 2015، وجائزة أفضل ترجمة أدبية في نيويورك عام 2013، ليصبح اليوم ثاني كاتب مجري يحصد نوبل بعد الراحل إيمري كيرتيس (2002).

وسيتسلّم جائزته رسميًا في احتفال ستوكهولم في ديسمبر المقبل، حيث يُنتظر أن يُلقي خطابًا عن الفن والجنون والنجاة.

منذ تأسيسها عام 1901، مُنحت جائزة نوبل للأدب لـ118 كاتبًا فقط، بينهم 18 امرأة فقط، وكان آخرهم الكورية الجنوبية هان كانغ عام 2024.

وبفوز كراسنهووركاي هذا العام، يُعاد الاعتبار للأدب الذي يقف في مواجهة الانهيار، ويُصِرّ على أن الفنّ وحده يستطيع أن يُنقذ الإنسان من الجنون، بشرط أن يذهب معه حتى أقصاه.

0 التعليقات: