في إطار سعيه الدائم لترسيخ جسور التفاهم بين العالم العربي وأوروبا، نظم معهد العالم العربي في باريس، بشراكة مع وزارة الثقافة القطرية، الدورة الرابعة من سلسلة ندوات "الدوحة للحوار الثقافي الفرنسي العربي"، وذلك يوم 11 أكتوبر 2025 في مقر المعهد بالعاصمة الفرنسية.
هذا الحدث الاستثنائي جاء تتويجًا لمسارٍ متواصل من التعاون الفكري والثقافي بين المؤسستين، في وقت تزداد فيه الحاجة إلى بناء حوار حضاري يعيد تعريف العلاقة بين الشرق والغرب بعيدًا عن الصور النمطية وسوء الفهم المتبادل.
افتُتحت الندوة في
تمام الساعة الثانية بعد الظهر بكلمة ترحيبية لرئيس معهد العالم العربي وعدد من المسؤولين
الفرنسيين والقطريين، من بينهم ممثل سفارة دولة قطر في فرنسا. وشهدت الجلسة الافتتاحية
تأكيدًا مشتركًا على أهمية جعل الثقافة جسرًا للتواصل بين الشعوب، لا وسيلة للصراع
أو التنافس، حيث شدد المتدخلون على أن الحوار الثقافي هو المدخل الحقيقي لتحقيق السلام
والتفاهم بين الأمم
حملت الجلسة الأولى
عنوان "مستقبل الحوار الثقافي العربي الأوروبي"، وشارك فيها نخبة من الباحثين
والمفكرين، من بينهم الفيلسوف الفرنسي جان باتيست برينيه، والأكاديمية بندكت لوتلييه،
إلى جانب المفكر القطري حسن راشد الدرهام والدبلوماسي علي الزينال.
ناقش المتدخلون سبل
تطوير آليات الحوار بين الضفتين عبر التعليم والفن والبحث العلمي، مبرزين ضرورة الانتقال
من "اللقاء الرمزي" إلى "الشراكة الفعلية" في المشاريع الثقافية
والإبداعية المشتركة، مع التركيز على الشباب ودورهم في تجديد هذا الحوار بما يتماشى
مع التحولات الرقمية والبيئية التي يشهدها العالم.
أما الجلسة الثانية،
التي انطلقت عند الساعة الرابعة والنصف مساءً، فقد جاءت تحت عنوان "الثقافة العربية
في العواصم الأوروبية: تفاعل وإبداع"، وشارك فيها كل من الباحثة الفرنسية الجزائرية
نعيمة ياحي، والكاتب المغربي محمد كعمي، والشاعرة القطرية العنود عبد الله الخليفة،
والفنان مرزوق بشير بن مرزوق.
وقد تناول النقاش تجربة
المبدعين العرب في أوروبا، وكيف أسهم وجودهم في إعادة تعريف الصورة الثقافية للعربي
والمسلم داخل الفضاء الأوروبي، سواء عبر المسرح أو السينما أو الأدب أو الفنون التشكيلية،
مؤكدين أن الإبداع العربي في المهجر أصبح اليوم أحد أعمدة التبادل الثقافي بين الضفتين.
شكلت هذه الدورة الرابعة
من "سمنارات الدوحة للحوار الثقافي الفرنسي العربي" فرصة لتجديد الالتزام
بفلسفة الحوار والانفتاح التي يتبناها كل من معهد العالم العربي ووزارة الثقافة القطرية.
ففي زمن تتعالى فيه
الأصوات الشعبوية وتتصاعد النزاعات الثقافية والهوياتية، جاء هذا اللقاء ليؤكد أن الثقافة
ما تزال أقوى من السياسة، وأن الفن والفكر قادران على ترميم ما تهدم بين الحضارات.
اختُتمت أعمال الندوة
بتوصيات تدعو إلى تعزيز التعاون الأكاديمي والفني بين الجامعات والمعاهد العربية والأوروبية،
وتكثيف التبادل الثقافي عبر برامج الإقامة الفنية والترجمة والنشر المشترك.
هكذا، أثبت الحدث أن
باريس والدوحة، وهما عاصمتان لكل منهما رمزيتهما الثقافية، تفتحان صفحة جديدة من الحوار
الإنساني العميق بين العالمين العربي والغربي، في زمن تتجدد فيه الحاجة إلى الكلمة
الحرة والخيال الخلّاق كجسرٍ بين الشعوب.
0 التعليقات:
إرسال تعليق