يبدو معهد العالم العربي في باريس هذه الأيام وكأنه يعيد ترتيب نبض المدينة على إيقاع عربي دافئ. فالمؤسسة التي اعتادت أن تكون جسراً بين حضارتين، تعلن عن برنامج واسع تتزاحم فيه الفنون والآداب والمعارض والسينما، فيما يشبه احتفالاً طويلاً بالحسّ الجمالي والذاكرة المشتركة.
مهرجان ينفتح على تعددية الصوت العربي
من أوّل ما يلفت الانتباه في أجندة المعهد هذا العام عودة مهرجان «الـ IMA يصنع مهرجانه»، الممتد من 2 إلى 14 ديسمبر 2025. هو عنوان بسيط لكنه يخفي وراءه رغبة صريحة في إشعال الحيوية داخل الفضاء الثقافي، وإعادة الجمهور إلى قلب التجربة الفنية. وفي اليوم نفسه تقريباً، يخصّص المعهد احتفاءً لا يخلو من رمزية بالذكرى الخامسة والعشرين لتأسيس منشورات «برزخ» الجزائرية، وذلك يوم 22 نوفمبر، في موعد يبدو وكأنه تحية لجيل كامل من الكتّاب والناشرين الذين عبروا من خلال هذه الدار.
ويواصل المعهد فتح أبوابه لروّاد الموسيقى من خلال حفلة EL BACHA يوم الأحد 30 نوفمبر. الأمسية تأتي ضمن «الموسيقيات اللبنانية»، حيث تتقاطع الأصوات الشرقية في لغة لا تحتاج إلى ترجمة.
معارض تستعيد أطياف الزمن
على مستوى المعارض، يبدو أن المكان اختار أن يمنح مساحة واسعة للتاريخ القريب والبعيد معاً. فمعرض «كنوز غزة المنقذة» يستمر إلى غاية 7 ديسمبر 2025، وكأنه احتجاج بصري على النسيان، واستعادة هادئة لتاريخ يمتد خمسة آلاف عام. وفي قاعات أخرى، تستقر صور قديمة للبنان بين 1864 و1970، بينما يحاول معرض «لغز كليوباترا» أن يعيد تشكيل صورة الملكة التي ما زالت تثير الخيال. ولا يغيب البعد الإنساني كذلك، إذ يقدّم المعهد معرضاً خاصاً بتجربة المستشفى النفسي بالبليدة–جوينفيل، حيث يحضر الفن كوسيلة للشفاء وإعادة بناء الذات.
ولمزيد من الانفتاح، اختار المعهد توفير زيارة موجّهة بلغة الإشارة الفرنسية يوم 7 ديسمبر، وهي مبادرة تنسجم تماماً مع روح الانفتاح التي يؤكدها في كل أنشطته.
لحظات أدبية تحت ضوء باريس
في مساء السبت 25 نوفمبر، يلتقي عشّاق الأدب مع دورة جديدة من «اللقاءات الأدبية». هي أمسيات غالباً ما تبدو كجلسات مكاشفة، حيث تتجاور الكتب مع الأسئلة وينفتح الحوار على قضايا لا تنتهي. وفي سياق قريب، يعلن المعهد عن تتويج الفلسطيني ناصر أبو سرور بجائزة الأدب العربي لعام 2025 عن عمله «أنا حريتي». خبر يحمل معه الكثير من الدلالات، ويعيد الاعتبار لتجارب الكتابة التي وُلدت في ظل السجن والمنفى والبحث الشاق عن معنى.
السينما… لقاء بين الذاكرة واللحظة
وتحت الأضواء الخافتة لقاعات العرض، تبرز سلسلة من الأفلام التي تعكس تنوّع الذائقة البصرية. يُعرض فيلم «أستيريكس وأوبيليكس: مهمة كليوباترا» في 22 نوفمبر، يليه فيلم «الطمس» للمخرج كريم موساوي في اليوم التالي. وفي 25 نوفمبر، تُقام «اللقاءات الدولية باريس/برلين»، قبل أن تستقبل القاعة في 26 نوفمبر فيلم «كليوباترا» للمخرج الشهير Cecil B. DeMille. أما ختام الشهر فيحمله «النقاش السينمائي – دورة المغرب» يوم 27 نوفمبر، في مساء يجمع بين السينما والحوار النقدي.
ثقافة للجميع دون استثناء
وفي خطوة تؤكد هويته كفضاء عمومي حقيقي، يخصص المعهد الأسبوع الممتد من 3 إلى 10 ديسمبر لـ أسبوع الولوجيات، حيث تُفتح الأنشطة أمام الجميع، مع تسهيلات إضافية للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، في مبادرة تحوّل الثقافة إلى حق فعلي لا إلى امتياز.
مذاق أخير فوق الأسطح
ولمن يرغب في إطالة اللحظة، يكفي أن يؤدي زيارة قصيرة إلى الطابق التاسع حيث مطعم «دار ميمة» الذي يقترح قائمة مستوحاة من معرض كليوباترا. هناك، تتداخل نكهات المتوسط مع إطلالات باريسية واسعة، فتكتمل الرحلة بطريقة لا تخلو من شاعرية.








0 التعليقات:
إرسال تعليق