لم تكن زيارة وفد شركة نيفيديا إلى الرباط حدثًا عابرًا في روزنامة التكنولوجيا العالمية. فقد بدا، منذ اللحظة الأولى، أن حضور هذا العملاق الأمريكي في العاصمة المغربية يأتي في سياق مختلف، سياق يبحث فيه المستثمرون الدوليون عن مواقع جديدة يرسّخون فيها وجودهم خارج الدوائر التقليدية. نيفيديا، التي يعرفها العالم باعتبارها صاحبة أقوى المعالجات الرسومية ومحركات الذكاء الاصطناعي، جاءت هذه المرة لتستطلع أرضًا تبدو واعدة أكثر مما كان يتصوره الكثيرون قبل سنوات فقط.
الوفد الذي حلّ بالمغرب عقد اجتماعات متفرقة مع مسؤولين ومهنيين من قطاعات مختلفة. لم يكن الأمر مجرد بروتوكول تقليدي، بل بدا واضحًا أن لدى الشركة رغبة حقيقية في استيعاب ما يحدث داخل السوق المغربية، خصوصًا مع الطفرة الرقمية التي ترافق إصلاحات البنية التحتية وتوجهات الدولة نحو اقتصاد المعرفة. وفي الكواليس، تحدّث البعض عن حوارات دارت حول مراكز البيانات، والتطبيقات الصناعية للذكاء الاصطناعي، وحتى مشاريع بحثية مشتركة قد ترى النور لاحقًا.
المثير في هذه الزيارة هو أن المغرب لم يعد يُعامل باعتباره سوقًا صغيرة، وإنما باعتباره ساحة تتشكل فيها ملامح مستقبل رقمي يمتد نحو إفريقيا. فالمملكة، بمنشآتها الحديثة وتزايد عدد الشركات الصاعدة في مجالات التكنولوجيا، أصبحت نقطة عبور مغرية لكل مؤسسة تبحث عن موطئ قدم في القارة. ولهذا السبب تحديدًا، بدا اهتمام نيفيديا منطقيًا ومعبرًا عن قراءة استراتيجية أعمق مما يبدو على السطح.
ومن جهة أخرى، يواصل المغرب ترتيب أوراقه بهدوء. فمراكز البحث في الجامعات بدأت تتجه نحو الذكاء الاصطناعي، ومشاريع الحوسبة السحابية تتوسع تدريجيًا، بينما تحاول المؤسسات الصناعية استيعاب التحول نحو ما يُعرف بـ«الصناعة 4.0». وفي هذا السياق، يمكن لشركة بحجم نيفيديا أن تصبح شريكًا نوعيًا، سواء على مستوى التكوين أو على مستوى توفير العتاد المتخصص الذي تحتاجه المختبرات والشركات.
ورغم غياب إعلان رسمي عن استثمارات فورية، إلا أن التفاصيل الصغيرة التي رافقت اللقاءات تكشف عن نوايا غير معلنة. فمثل هذه الزيارات عادة ما تكون الخطوة الأولى قبل الدخول في اتفاقيات أكبر، وربما فتح مراكز إقليمية أو إطلاق مشاريع تجريبية تستهدف قطاعات محددة كالطاقات المتجددة أو الصحة الرقمية أو الأمن السيبراني.
باختصار، ما حدث في الرباط ليس مجرد حدث صحفي، بل علامة على تحوّل تدريجي في خريطة التكنولوجيا في شمال إفريقيا. زيارة نيفيديا، وإن بدت للوهلة الأولى بسيطة، تحمل في طياتها إمكانيات واسعة قد تعيد رسم العلاقة بين المغرب والاقتصاد الرقمي العالمي في السنوات المقبلة. إنها خطوة أولى في مسار طويل، لكنها خطوة تُظهر بوضوح أن المملكة أصبحت ضمن دائرة اهتمام أكبر صانعي الذكاء الاصطناعي في العالم.








0 التعليقات:
إرسال تعليق