شهدت سنة 2025 تبايناً لافتاً في الخريطة القرائية على مستوى العالم، سواء داخل البلدان العربية أو في الأسواق الأوروبية والأمريكية، حيث عكست قوائم الكتب الأكثر مبيعاً خلال السنة مسارات ثقافية واجتماعية متباينة، ترتبط في جزء كبير منها بتحولات الفكر العام، والظروف السياسية، والبحث عن المعنى، إضافة إلى تأثيرات التكنولوجيا وانتشار المنصّات الرقمية المخصّصة للقراءة.
وقد حاول هذا التقرير، عبر تتبّع حركة النشر والمكتبات والمعارض وما تنشره المنصّات المختصّة بقوائم المبيعات، أن يقدّم صورة شاملة، قدر الإمكان، حول الكتب التي حظيت بالاهتمام الأكبر خلال العام 2025 في عدة مناطق جغرافية. ورغم أنّ الأذواق ليست موحّدة، فإن بعض الاتجاهات أصبحت واضحة، خصوصاً في صعود الرواية، وعودة الأدب الروحاني، وتعزّز مكانة الرواية التشويقية، إضافة إلى استمرار حضور كتب تطوير الذات وكتب السيرة.
فيما يلي قراءة تفصيلية لهذه الاتجاهات، موزّعة حسب المناطق.
أولاً: المغرب – بين الفلسفة المعاصرة والكتابات النقدية الاجتماعية
تتسم السوق المغربية للكتاب بخصوصيتها مقارنة ببقية البلدان العربية، نظراً لغياب قوائم رسمية دقيقة للمبيعات، لكن المتابعة المستمرة لحركة المكتبات الكبرى، وتغطيات الصحافة الثقافية، والمعارض المحلية، تُظهر بوضوح أن ثلاثة أنواع من الكتب شكّلت العناوين الأكثر حضوراً في 2025:
كتب الفكر الفلسفي والديني المعاصر، الكتب السياسية والسيرية ذات الطابع التأملي، والكتب الاجتماعية الساخرة.
1. طه عبد الرحمن: حضور فلسفي يتجدد
عاد المفكر المغربي طه عبد الرحمن ليتصدّر المبيعات في أكثر من مكتبة، بكتبه التي تجمع بين الفلسفة الأخلاقية والرؤية الروحانية. ويبدو أنّ القرّاء في المغرب يواصلون اعتبار هذا النوع من الكتابات ملاذاً لفهم الإشكالات الأخلاقية والزمنية التي يعيشها المجتمع.
2. «زمن مغربي» وعودة السيرة الفكرية
برز كتاب «زمن مغربي» لفتح الله ولعلو ضمن أكثر الكتب تداولاً، بوصفه قراءة فكرية سياسية تأملية في مسار الدولة المغربية وتحولاتها. ينسجم هذا الاهتمام مع تصاعد رغبة القرّاء في فهم تحولات السنوات الأخيرة، بما تحمله من تغيّرات اجتماعية واقتصادية وسياسية.
3. الكتاب الساخر: مرآة الواقع اليومي
يظهر كتاب «متلازمة الموظف» كواحد من أكثر الأعمال تداولاً على مستوى شبكات التوزيع، نظراً لطابعه الساخر المباشر. ويعكس هذا الإقبال احتياج فئة واسعة من القرّاء إلى خطاب يلامس الحياة اليومية ويقدّم نقداً اجتماعياً مبسطاً، دون الدخول في تنظيرات سياسية أو فكرية معقدة.
ملامح عامة للسوق المغربية 2025
يتبيّن من خلال تتبّع حركة القراءة أنّ القارئ المغربي يتجه نحو الكتب التي تمنحه أدوات فهم للواقع القريب، سواء عبر رؤية فلسفية أو سياسية أو اجتماعية. كما تواصل الرواية المترجمة والعربية حضورها، وإن بدرجات متفاوتة، مع إقبال ملحوظ على الروايات التاريخية والروايات العالمية ذات الطابع الإنساني.
ثانياً: العالم العربي – الرواية تتصدر، والروحانيات تعود بقوة
في الفضاء العربي الواسع، تتنوّع الأذواق بشكل كبير، لكن القاسم المشترك الأبرز في 2025 هو عودة الرواية العربية إلى دائرة الاهتمام، إلى جانب استمرار حضور كتب الروحانيات وتطوير الذات، وتوسّع قاعدة قرّاء الرواية العالمية المترجمة.
1. «أبابيل» و«أوراق شمعون المصري» في الصدارة
تواصل رواية «أبابيل» لأحمد آل حمدان انتشارها الكبير، إذ تحافظ منذ عامين على موقعها ضمن الكتب الأكثر قراءة في الخليج والمشرق. كما تستمر «أوراق شمعون المصري» لأسامة الشاذلي في جذب القرّاء، خصوصاً في مصر ودول المغرب العربي، نظراً لطابعها التاريخي الروائي.
2. المنصّات العربية تعزّز انتشار الرواية
تلعب منصّات القراءة الرقمية مثل «أبجد» و«نيل وفرات» دوراً كبيراً في ترسيخ حضور هذه العناوين. وتظهر البيانات المتاحة أنّ الروايات العربية والعالمية تتفوّق في نسب القراءة على كتب الفكر والسياسة.
3. ازدهار الروحانيات وكتب تطوير الذات
من الظواهر اللافتة في السوق العربية لعام 2025 استمرار الإقبال على الكتب الدينية والروحانية، وكتب التنمية البشرية، وكذلك السير الذاتية لشخصيات عامة. ويُفسّر هذا الاهتمام بعودة القارئ إلى البحث عن الطمأنينة النفسية في ظلّ توترات المنطقة، وتحديات الحياة الاقتصادية.
4. معارض الكتب: مؤشرات مستمرة للصعود
قدّمت معارض القاهرة وأبوظبي والرياض والدوحة مؤشرات واضحة على ازدهار سوق الرواية العربية. كما برز الطلب على السير الذاتية لأعلام الفن والأدب في مصر ولبنان، وظهر اتجاه إلى الكتب التي تعالج موضوعات الهوية، والذاكرة، والتحولات الاجتماعية الحديثة.
ثالثاً: فرنسا – أدب الجوائز في مواجهة الرواية الشعبية
تظل فرنسا واحدة من الأسواق الأكثر تنظيماً في مجال النشر، مع وجود قوائم شهرية دقيقة تصدرها مؤسسات كبرى مثل Fnac وAmazon France. وقد شهدت سنة 2025 تنافساً واضحاً بين الأدب الرفيع، المتمثل أساساً في أعمال الجوائز، وبين الروايات التشويقية التي تلقى رواجاً لدى الجمهور الواسع.
1. «La Maison vide» تتصدر بعد فوزها بجونكور
مثّلت رواية «البيت الفارغ» الحدث الأدبي الأبرز في فرنسا لعام 2025. فوزها بجائزة غونكور جعلها تتربع على قوائم المبيعات لعدة أشهر متتالية؛ ويعود هذا النجاح إلى أسلوبها النفسي العميق الذي يحلل شعور الوحدة والتحوّلات داخل الأسرة الحديثة.
2. الرواية البوليسية تواصل حضورها
تستمر روايات التشويق مثل «La femme de ménage» في جذب القرّاء الفرنسيين، إذ تجمع بين التشويق الاجتماعي والتحليل النفسي. كما تواصل هذه الروايات منافستها للأدب الجاد، مستفيدة من انتشار القراءة الخفيفة في وسائل النقل.
3. ألبومات الأطفال والكوميكس: حضور قوي
تسجّل سلسلة «أستيريكس» حضوراً ثابتاً في قوائم الأكثر مبيعاً، وهو تأكيد على مكانة هذا النوع من الأدب المصوّر في الثقافة الفرنسية، خصوصاً بين الشباب.
رابعاً: المملكة المتحدة – القراءة كمساحة للراحة النفسية
تميزت السوق البريطانية خلال 2025 بحضور قوي للكتب ذات الطابع الوجداني، إلى جانب استمرار سيطرة الروايات الأكثر مبيعاً في قوائم Sunday Times.
1. «Always Remember» في الصدارة
جاء كتاب «Always Remember» في المرتبة الأولى، وهو عمل بصري ونصي يجمع شذرات تأملية بسيطة، لكنه يلقى صدى واسعاً بين القرّاء الباحثين عن خطاب عاطفي مهدّئ. ويبدو أن السياق البريطاني الذي يشهد توترات سياسية واقتصادية يجعل هذا النوع من الكتب خياراً مفضلاً.
2. رواية الفانتازيا الداكنة
تنافست رواية «Brimstone» على المراكز الأولى، حيث تمزج بين الخيال، والصراع الداخلي، والإسقاطات الرمزية. وتأتي شعبيتها ضمن موجة عالمية تتجه نحو الروايات التي تمنح القارئ فرصة للهروب من الواقع.
3. «The Housemaid» تدخل السوق البريطانية بقوة
النسخة الإنجليزية من «The Housemaid» حققت انتشاراً واسعاً في بريطانيا، كما هو الحال في بقية الأسواق الغربية، لتصبح واحدة من ظواهر النشر في 2025.
خامساً: إسبانيا – صعود أدب الشباب والروايات المترجمة
تقدّم السوق الإسبانية نموذجاً مختلفاً، حيث يظهر الطلب المرتفع على الروايات المترجمة، وأدب الشباب، والكتب المخصّصة للأطفال.
1. رواية «La asistenta» في المرتبة الأولى
الترجمة الإسبانية لرواية «The Housemaid» اعتُبرت العنوان الأكثر مبيعاً خلال أشهر عديدة من العام، وهو ما يؤكد مكانة الرواية التشويقية لدى القارئ الإسباني.
2. الفانتازيا الرومانسية للشباب
برزت أعمال مثل «Alas de ónix» ضمن الكتب الأكثر تداولاً، في ظل اهتمام فئة واسعة من الشباب بالروايات التي تمنح مساحة للخيال والمعارك الرمزية.
3. كتب الأطفال: توجه تربوي جديد
تقدّم كتب مثل «Tengo un volcán» و«El hilo invisible» نموذجاً تربوياً حديثاً يقوم على تعزيز التعبير الذاتي لدى الأطفال، وهو ما يلقى اهتماماً متزايداً لدى الأسر والمدارس.
سادساً: ألمانيا – الرواية التشويقية تتصدر المشهد
تبدو السوق الألمانية واحدة من أكثر الأسواق استقراراً من حيث الأذواق، حيث تواصل الرواية التشويقية حضورها القوي، إلى جانب اهتمام متنامٍ بأدب الشباب والفانتازيا.
1. «Der Nachbar» ظاهرة العام
تصدرت رواية «الجار» لسيباستيان فيتسيك قوائم المبيعات بشكل شبه مستمر طوال العام. ويعود ذلك إلى قدرة الكاتب على المزج بين التشويق النفسي وبناء الشخصيات.
2. أعمال أخرى بارزة
ظهرت روايات مثل «Knochenkälte» في مواقع متقدمة، إضافة إلى استمرار شعبية أعمال دان براون المترجمة. كما تبقى كتب الفانتازيا ضمن الفئات الأكثر قراءة لدى القرّاء الشباب.
سابعاً: الولايات المتحدة – الروايات الكبرى وتطوير الذات في المقدمة
تقدم الولايات المتحدة صورة متنوعة للسوق الثقافية، حيث يشهد العام 2025 صعوداً للروايات القانونية والتشويقية، إلى جانب اهتمام متزايد بكتب تطوير الذات والمذكّرات السياسية.
1. «The Widow» في صدارة الرواية
جاءت رواية جون غريشام في المركز الأول ضمن فئة الرواية الصلبة، مستفيدة من المكانة الخاصة لهذا الكاتب لدى القرّاء الأمريكيين.
2. «The Secret of Secrets» تعيد دان براون إلى الواجهة
تواصل أحدث رواياته تحقيق انتشار واسع، خصوصاً بين القرّاء المهتمين بالرموز واللغز والسرد السريع.
3. كتب غير الرواية: من النفس إلى السياسة
يتصدر كتاب ميل روبنز «The Let Them Theory» فئة الكتب غير الروائية، نظراً لتركيزه على المفاهيم العملية المتعلقة بإدارة العلاقات. كما تحتل السيرة السياسية لكمالا هاريس «107 Days» موقعاً متقدماً، إلى جانب كتب أخرى في مجالات الموسيقى والمجتمع.
خلاصة عامة: قراءة في التحولات الثقافية لسنة 2025
تكشف المقارنة بين البلدان أن الرواية تظلّ الشكل الأدبي الأكثر حضوراً عالمياً، سواء كانت رواية أدبية حائزة على الجوائز، أو رواية تشويقية، أو رواية شباب وفانتازيا. ويعكس هذا الإقبال رغبة القارئ في البحث عن معنى جديد للعالم، أو عن متنفس يخفف ضغط الواقع.
في المقابل، تواصل كتب تطوير الذات صعودها في العالمين العربي والغربي على حدّ سواء، ما يدل على أن الفرد، أينما كان، يبحث عن مرشد داخلي يُعيد إليه التوازن.
أما الكتب الدينية والروحانية، فتحتفظ بمكانتها القوية في عدة بلدان عربية، وفي المغرب على وجه الخصوص، نتيجة التحولات الاجتماعية والحاجة إلى خطاب أخلاقي يفسّر تعقيدات الحاضر.
وتشير الاتجاهات الأوروبية إلى استمرار الأدب الفائز بالجوائز في استقطاب القرّاء الباحثين عن العمق، مقابل حضور واسع للروايات الخفيفة والمصوّرة لدى القرّاء الراغبين في تخفيف الضغط النفسي.
أما الولايات المتحدة، فتعكس مزيجاً من الواقعية السياسية والرغبة الدائمة في التشويق، إلى جانب ميل واضح إلى الكتب التي تقدّم حلولاً عملية للحياة اليومية.
في النهاية، يمكن القول إن سنة 2025 ليست سنة كتاب واحد ولا ذوق واحد، بل سنة تنوّع قرائي واسع يعكس تعدد السياقات والاهتمامات حول العالم، ويبرهن أن الكتاب ما زال يحتفظ بقيمته، رغم كل ما يقال عن انحسار القراءة في عصر السرعة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق