لم يعد الكتاب الإلكتروني مجرد “نسخة PDF” تُباع على عجل، ولا مجرد خيار ثانوي للقارئ المستعجل. خلال 2025 اتّسعت رقعة التحوّل: أجهزة قراءة تتطور، ونماذج اشتراك تتوسع عالميًا، وقوانين جديدة تفرض معايير وصولٍ أكثر صرامة، بينما تُعيد الشركات الكبرى ترتيب علاقتها بفكرة “امتلاك” الكتاب من الأصل. والنتيجة؟ سوق EBOOK صار أشبه بمدينة لا تنام: كل صباح فيها تحديثٌ جديد، وكل مساء سؤال قديم يعود بوجهٍ أحدث: من يملك الكتاب؟ القارئ… أم المنصة؟
1) الأجهزة تعيد تعريف “القراءة”: من الحبر الإلكتروني إلى اللون… والكتابة فوق النص
واحدة من أكثر إشارات 2025 وضوحًا هي أن صانعي الأجهزة لم يعودوا يراهنون على القراءة الصامتة وحدها، بل على “قراءةٍ مع كتابة”. في ديسمبر 2025 أعلنت أمازون عن جيل جديد من أجهزة Kindle Scribe، يتضمن نسخة “Colorsoft” تتيح التدوين والرسم بالألوان، مع أدوات تلخيص وتنظيم للملاحظات وميزات موجهة لمن يقرأ ليكتب ويذاكر ويعلّق لا لمن يقرأ فقط.
هذا التحول ينعكس مباشرة على صناعة الكتاب الإلكتروني نفسها: ناشرون يضيفون طبقات تفاعلية، ومؤلفون يهيئون كتبهم لتجربة “التظليل + التعليق + المراجعة”، ومحتوى غير روائي (تعلم، تطوير ذات، أعمال) يستفيد أكثر من غيره لأن القارئ فيه لا يكتفي بالتلقي.
وفي الواجهة أيضًا، تحديثات برمجية صغيرة في ظاهرها لكنها تغيّر “حركة اليد” أثناء القراءة. ميزة مثل قلب الصفحات بالنقر المزدوج على بعض أجهزة كيندل الحديثة ليست مجرد رفاهية؛ إنها رسالة بأن تجربة التصفح نفسها أصبحت ميدان منافسة.
2) “الملكية” تحت الاختبار: حين تُقيَّد النسخ الاحتياطية ويُعاد رسم حدود المكتبة
من أكبر قصص 2025 التي أثارت نقاشًا بين القرّاء والناشرين والحقوقيين: قرار أمازون إزالة ميزة كانت تسمح بتنزيل كتب كيندل المشتراة على الكمبيوتر بغرض النقل اليدوي عبر USB، ابتداءً من 26 فبراير 2025. هذه الخطوة بدت تقنية، لكنها في العمق تمس سؤالًا حساسًا: هل ما نشتريه “كتاب” أم “ترخيص قراءة”؟
عمليًا، المنصات تقول للقارئ: اقرأ حيث نسمح لك أن تقرأ، وبالطريقة التي نراها ملائمة للنظام. والقارئ يرد: لكني دفعت ثمنًا، وأريد نسخة يمكنني الاحتفاظ بها ضمن أرشيفي. بين الجملتين تتولّد “سياسة جديدة للكتاب الإلكتروني”: سياسة تجعل من الاستمرارية، والنسخ الاحتياطي، وإمكانية الانتقال بين الأجهزة، قضايا لا تقل أهمية عن سعر الكتاب نفسه.
ومع ذلك، تظل أدوات “الإرسال إلى المكتبة” حاضرة كحل شائع لإدارة الملفات الشخصية والمستندات، عبر خدمة Send to Kindle التي تروّج لها أمازون كجسر بين ملفات القارئ وأجهزته.
3) اشتراكات القراءة تتمدد: نموذج “اقرأ بلا حدود” يطرق قارات جديدة
إذا كانت منصات الفيديو قد علّمتنا معنى “الاشتراك”، فإن الكتب الإلكترونية تعلّمت بسرعة—لكن بطريقتها. 2025 شهدت توسعات جديدة لخدمات القراءة الاشتراكية، وعلى رأسها Kobo Plus التي أعلنت التمدد في أسواق متعددة، بينها بلدان في آسيا مثل سنغافورة وماليزيا، إضافة إلى إطلاقات/توسعات في أمريكا اللاتينية (مثل المكسيك، الأرجنتين، كولومبيا، بيرو وغيرها).
الفكرة بسيطة ومغرية: بدل أن يشتري القارئ كتابًا واحدًا، يدفع اشتراكًا شهريًا ويغوص في مكتبة واسعة. لكن السردية الأكثر تعقيدًا هي ما يحدث خلف الستار: كيف تُحتسب عائدات المؤلف؟ وكيف تؤثر “القراءة بالصفحات” على أساليب الكتابة؟ وهل تدفع هذه النماذج بعض الكتّاب إلى تطويل النص أو تغيير إيقاعه ليضمن بقاء القارئ أطول؟
وفي المقابل، يقدم الاشتراك فرصة ذهبية للكتب العربية إذا أحسن الناشرون التوزيع الرقمي: الوصول إلى قرّاء جدد في المهجر، والانتشار خارج حدود الشحن الورقي، وتقليل مخاطر المخزون، وتوسيع “العمر التجاري” للكتاب بدل أن يموت بعد موسم معرض.
4) 2025 سنة “قوانين الوصول”: الكتاب الإلكتروني مطالب بأن يكون صالحًا للجميع
القفزة الأهم—والأقل استعراضًا إعلاميًا—هي دخول متطلبات الوصول (Accessibility) مرحلة إلزامية أوسع داخل السوق الأوروبي. ابتداءً من أواخر يونيو 2025 ارتبط الكتاب الإلكتروني في أوروبا بمعايير تضمن أن القارئ—حتى مع الإعاقة أو باستخدام تقنيات مساعدة—يستطيع العثور على الكتاب وشراؤه وقراءته.
ولأن القوانين لا تعيش وحدها بلا معايير تقنية، جاءت أعمال مواءمة تربط متطلبات “قانون الوصول الأوروبي” بمواصفات EPUB وإتاحة EPUB Accessibility، في وثائق تصدر عن W3C وتشرح كيف يلبّي معيار EPUB تلك المتطلبات.
هنا تتغير لعبة النشر الرقمي جذريًا. لم يعد كافيًا أن يكون الكتاب “جميلًا” أو “خفيفًا”، بل يجب أن يكون قابلًا للقراءة عبر قارئات الشاشة، وأن يحتوي على وصف بديل للصور، وبنية تنقّل واضحة، وأن يتجنب عيوبًا صغيرة قد تجعل الكتاب مستحيلًا على قارئ كفيف أو ضعيف البصر. ومع انتشار الحديث عن EPUB3 بوصفه معيارًا أكثر نضجًا وملاءمة لهذه المتطلبات، تتقدم صيغة EPUB على غيرها في كثير من مشاريع النشر.
5) “جديد الإصدارات” في عالم EBOOK: ليس عناوين فقط… بل صيغ وخدمات وتجارب
عندما نقول “جديد الإصدارات” في الكتاب الإلكتروني اليوم، لا نقصد فقط الروايات الجديدة أو كتب الفكر الجديدة. الجديد يحدث في ثلاث طبقات متزامنة:
طبقة المحتوى:
ارتفاع واضح في كتب الأدوات (دليل عملي، تعلم ذاتي، مهارات، اقتصاد شخصي) لأنها تتناسب مع القراءة على الهاتف والعودة السريعة إلى الفقرات. كما تتزايد الكتب القصيرة (Novella/Long Essay) التي تستفيد من نمط القراءة المتقطعة في زمن التنبيهات.
طبقة الشكل:
كتب إلكترونية تُكتب منذ البداية لتُقرأ كـEPUB غني: فهارس ذكية، هوامش تفاعلية، روابط داخلية، وأحيانًا ملاحق سمعية أو بصرية. وهنا تظهر أهمية “الكتابة مع التصميم” بدل فصل الكاتب عن التقني.
طبقة الخدمة:
الكتاب لم يعد ملفًا وحسب. صار “اشتراكًا”، أو “حزمة” (Ebook + Audiobook)، أو “مكتبة سحابية” مرتبطة بحساب القارئ. منصات مثل Kobo Plus تقدم نموذج “اقرأ بلا سقف” بوصفه وجهًا جديدًا للكتاب.
6) ماذا يعني كل ذلك للناشرين العرب… وللقارئ العربي؟
في العالم العربي، ما زالت معارك الكتاب الورقي حاضرة: التوزيع، القرصنة، ضعف سلاسل المكتبات، موسمية المعارض. لكن EBOOK يقدم بابًا آخر إذا فُتح بعقلية مهنية:
-
للنشر العربي: فرصة بناء كتالوغ رقمي مستدام، وتحسين جودة الملفات (EPUB3 بدل PDF الفوضوي)، والتفكير في الوصول لذوي الإعاقة قبل أن يصبح الأمر شرطًا في أسواق التصدير.
-
للمؤلف العربي: مساحة تجريب لأشكال جديدة (مقالات طويلة، سلاسل قصيرة، نصوص هجينة)، وتوسيع جمهور الشتات دون وسيط ورقي.
-
للقارئ العربي: تنوع أكبر وأسعار مرنة، لكن مع ضرورة وعيٍ بحقوق الاستخدام والنسخ، وفهم الفرق بين “شراء ملف” و“شراء حق قراءة” داخل منصة.
خاتمة: الكتاب الإلكتروني لا يقتل الورق… لكنه يغيّر معنى الكتاب
الواقع أن 2025 لم يكن عامًا يعلن “نهاية الورق”، بل عامًا يعلن نهاية السذاجة: لم يعد الكتاب الإلكتروني مجرد بديل رخيص، بل صناعة لها اقتصادها وقوانينها وأجهزتها وصيغها وحروبها الصغيرة. أجهزة تكتب وتلوّن، منصات تقرر شكل الملكية، اشتراكات تتمدد عبر القارات، وقوانين تجعل الوصول حقًا لا ميزة.
وفي قلب كل ذلك، يبقى السؤال الأجمل—والأصعب—هو سؤال الكاتب: كيف نكتب كتابًا يصلح لعينٍ تقرأ، ويدٍ تكتب فوق النص، وأذنٍ قد تستمع إليه لاحقًا، وعقلٍ يريد معرفةً لا ضجيجًا؟ من يجيب عن هذا السؤال مبكرًا… يسبق السوق بخطوة، ويصنع “إصدارًا جديدًا” حتى لو كان موضوعه قديمًا.








0 التعليقات:
إرسال تعليق