الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


إعلانات أفقية

الخميس، ديسمبر 18، 2025

المهاجرون العرب بين تشديد السياسات وتبدّل المزاج الدولي: إعداد عبده حقي

 


خلال اليومين الأخيرين، عاد ملف الهجرة ليحتل واجهة النقاش السياسي والإعلامي في عدد من الدول الغربية، وسط تداخل واضح بين الاعتبارات الأمنية، والضغوط الاقتصادية، والتحولات الاجتماعية العميقة. وبالنسبة للمهاجرين العرب، تتقاطع هذه التطورات مع واقع هشّ يتأرجح بين فرص الاندماج ومخاوف الإقصاء، وبين وعود القوانين ونزق الممارسة اليومية.

الولايات المتحدة: إدارة الهجرة تحت ضغط السياسة

في الولايات المتحدة، تتواصل الإجراءات المشددة المرتبطة بالهجرة، خاصة في ما يتعلق بالفحص الأمني ومتطلبات التأشيرات. وتشير المعطيات الأخيرة إلى تشديد أكبر في المقابلات القنصلية، مع تركيز واضح على خلفيات طالبي الدخول، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على المهاجرين القادمين من بلدان عربية، سواء لأغراض العمل أو الدراسة أو لمّ الشمل. ويأتي هذا التوجه في سياق داخلي متوتر، حيث أصبحت الهجرة ورقة انتخابية بامتياز، تُستدعى عند كل منعطف سياسي.

المملكة المتحدة: القنال الإنجليزي مجددًا في الواجهة

في بريطانيا، عاد ملف الهجرة غير النظامية عبر القنال الإنجليزي إلى الواجهة، مع تسجيل وصول أعداد جديدة من المهاجرين خلال الأيام الأخيرة بعد فترة هدوء نسبي. ويُلاحظ أن جزءًا من هؤلاء ينحدر من بلدان عربية تعاني من أزمات مركبة. الحكومة البريطانية، من جهتها، تؤكد التزامها بسياسة الردع، في مقابل تصاعد الانتقادات الحقوقية التي ترى في هذه المقاربة تعميقًا للمأساة الإنسانية بدل معالجتها من الجذور.

ألمانيا: توازن صعب بين الحاجة الاقتصادية والقلق المجتمعي

رغم غياب قرارات مفصلية جديدة خلال اليومين الأخيرين، فإن النقاش حول الهجرة لا يزال محتدمًا في ألمانيا. فالدولة التي تحتاج إلى اليد العاملة، خصوصًا في القطاعات الصناعية والخدمية، تجد نفسها أمام ضغط متزايد من تيارات سياسية وشعبية تشكك في قدرة المجتمع على استيعاب موجات جديدة من المهاجرين، بمن فيهم العرب. هذا التوتر الصامت ينعكس في السياسات المحلية، وفي شروط الاندماج وسوق الشغل.

إسبانيا: مقاربة أمنية أمام واقع اجتماعي معقّد

في إسبانيا، شهدت الساعات الماضية عمليات إخلاء لمهاجرين يقيمون في بنايات مهجورة، ضمن حملة رسمية لتنظيم وضعية الإقامة غير القانونية. وتؤثر هذه الإجراءات بشكل مباشر على مهاجرين عرب يعيشون أوضاعًا اجتماعية هشّة، في ظل محدودية البدائل السكنية وبرامج الإدماج. وبينما تؤكد السلطات احترام القانون، تحذر منظمات مدنية من أن الحلول الأمنية وحدها لا تكفي لمعالجة الظاهرة.

إيطاليا: الجنوب الأوروبي تحت الضغط

إيطاليا، كغيرها من دول جنوب أوروبا، تواصل التعامل مع تدفقات الهجرة باعتبارها تحديًا استراتيجيًا. النقاشات الأخيرة تركز على تقاسم الأعباء داخل الاتحاد الأوروبي، في وقت يشعر فيه مهاجرون عرب، خصوصًا القادمون عبر البحر، بأنهم عالقون بين مراكز الاستقبال المؤقتة ومسارات قانونية بطيئة ومعقدة.

فرنسا: المزاج العام وتأثيره على السياسات

في فرنسا، لا تنفصل أوضاع المهاجرين العرب عن المناخ العام الذي يشهد صعود خطاب متشدد تجاه الهجرة. استطلاعات الرأي الأخيرة تعكس اتساع فجوة الثقة بين جزء من المجتمع والمهاجرين، وهو ما يترجم إلى ضغوط سياسية باتجاه تشديد القوانين وتسريع إجراءات الترحيل، رغم التأكيد الرسمي المتكرر على احترام مبادئ الجمهورية وحقوق الإنسان.

روسيا: حضور محدود ورقابة مشددة

في روسيا، يظل حضور المهاجرين العرب محدودًا مقارنة بأوروبا الغربية، إلا أن التطورات الجيوسياسية الأخيرة تجعل من ملف الهجرة شأنًا أمنيًا بالدرجة الأولى. ويؤثر هذا التوجه على فرص الاستقرار والعمل، خاصة بالنسبة للطلبة ورجال الأعمال القادمين من المنطقة العربية.

البرازيل: اندماج هادئ بعيد عن الأضواء

في البرازيل، لا يحتل ملف الهجرة العربية صدارة الأخبار، غير أن الجاليات العربية تواصل اندماجها في النسيج الاقتصادي والثقافي للبلاد، مستفيدة من تقاليد تاريخية في التعايش والانفتاح. ورغم غياب مستجدات ساخنة خلال اليومين الأخيرين، فإن الاستقرار النسبي يبقى السمة الأبرز لوضعية المهاجرين هناك.

كندا: الهجرة كخيار استراتيجي

أما كندا، فتواصل تقديم نفسها كنموذج مختلف في إدارة الهجرة، رغم التعديلات الإجرائية المرتبطة بالتنسيق الحدودي مع الولايات المتحدة. المهاجرون العرب يظلون جزءًا فاعلًا من هذا النموذج، سواء في سوق العمل أو في الحياة الأكاديمية، مع استمرار الرهان على الاندماج المنظم بدل سياسات الردع.

خلاصة المشهد

ما تكشفه تطورات اليومين الأخيرين هو أن الهجرة لم تعد مجرد مسألة تنقل بشري، بل أصبحت مرآة تعكس توترات العالم المعاصر: الخوف من الآخر، الحاجة إليه في الوقت نفسه، والتردد بين القيم المعلنة والممارسات الواقعية. وبين هذه التناقضات، يواصل المهاجر العربي رحلته، محمّلًا بأحلامه وأسئلته، في عالم لا يزال يبحث عن توازن مفقود.


0 التعليقات: