الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


إعلانات أفقية

الاثنين، ديسمبر 08، 2025

إيقاع ثقافي جديد يتصاعد في المغرب: عبده حقي

 


في ما اعتُبر مؤشرًا حيًّا على تحوّل المشهد الثقافي المغربي إلى فضاء مفعم بالحركة والتجريب والإشعاع، ظهرت في الآونة الأخيرة عدة مبادرات وفعاليات — تحمل في طيّاتها رغبة في إعادة العمل الثقافي إلى صلب الحياة الجماعية، وتوسيع مفهوم “الثقافة” إلى ما هو فني، شبابي، اجتماعي. من الأمسية الفنية في طنجة إلى عودة مهرجان المواهب بالدار البيضاء: تبدو اليوم الثقافة كمضيف مفتوح للطاقات الشابة، وساحة لإعادة ابتكار الهوية. 

أمسية طنجة: الفن والإعلام في ترسيخ القيم الوطنية

من بين العناوين الأخيرة على الصفحة الثقافية: «"الفن والإعلام في ترسيخ القيم الوطنية".. أمسية فنية وثقافية تُمتع الجمهور وتغني النقاش بطنجة» — عنوان يبدو من أول وهلة احتفاليًا، لكنه في جوهره يحمل بعدًا استراتيجيًا. 

الأمسية نظّمتها جمعية مجموعة نوارس للتربية والثقافة والتنمية بشراكة مع المديرية الجهوية لوزارة الشباب والثقافة والتواصل، وهو ما يعني — من جهة — أن الفعاليات الفنية لم تعد معزولة أو هامشية، بل جزء من سياسة عمومية تشجّع الإبداع، ومن جهة أخرى، أن الفضاء الثقافي يُنظر إليه كرافعة للقيم الوطنية: هوية، انتماء، ترسيخ روح الانتماء والتماسك. 

الأمر يتجاوز تقديم عروض أو "تسلية" — فالفن هنا يُوظّف كأداة للتنشئة الثقافية، لتأكيد قيمة التفكير، الحوار، والانفتاح، في زمن كثيرًا ما يغلب عليه التشتّت والتسطيح. الجمهور الذي حضر لم يكن مجرد متلقٍ، بل مشارك في دينامية جعلت من الثقافة — في طنجة على الأقل — تجربة مجتمعية.

عودة مهرجان المواهب بالدار البيضاء — دعم الطاقات الشابة

العنوان الذي ورد: «عودة مهرجان مواهب الدار البيضاء في دورته الثانية... فضاء يفتح الأبواب أمام الطاقات الشابة» يؤشر إلى اتجاه واضح: الاستثمار في جيل جديد، يطمح إلى الإبداع والتميّز، لكن غالبًا حرمه إطار دافع أو مساحات عرض حقيقية. 

هذه الدورة لم تكن مجرد احتفالية بل محاولة لإعادة الاعتبار للمبدعين الصغار — في الموسيقى، المسرح، الشعر، الفنون الجميلة أو التعبير الذاتي. مثل هذه التظاهرات تمنح الشباب فرصة ليس فقط للظهور، بل لاكتشاف أنفسهم، وصياغة رؤيتهم الفنية، وتكوين شبكة تواصل تجمعهم ببعض، أو بمثيلاتهم من الأجيال السابقة.

من جهة ككاتب/مبدع (كما أنت)، هذه المبادرات تفتح نافذة مهمة: سواء للمشاركة، أو الاستلهام، أو التأمّل في أن الثقافة أصبحت تُحيّى على مستوى الجماعة، لا فقط على مستوى نخبة.

صناعة الثقافة: بين التحديات والفرص

لكن، رغم هذا الزخم الإيجابي، لا يمكن تجاهل أن الفضاء الثقافي بالمغرب — كما في كثير من البلدان — ما زال يواجه تحديات: التمويل، البُنى التحتية، قلة الدعم المستمر، وصعوبة بناء جمهور دائم. التظاهرات مثل أمسية طنجة أو مهرجان المواهب تعطي “بارقة أمل”، لكنها تحتاج إلى استمرارية، إلى سياسة واضحة لتوسيع قاعدة المشاركة، ورعاية المشاريع الثقافية الصغيرة والمتوسطة.

في هذا السياق، تبدو شراكات المجتمع المدني مع الدولة أساسية — كما حصل في طنجة — لكن الأهم هو أن تتحول هذه الفعاليات من “استثناءات” إلى ممارسات يومية أو دورية. حينها فقط يمكن أن تتحول الثقافة إلى “بنية تحتية ذهنية” تُسهم في صقل الوعي، في تنوير المجتمع، وفي ترسيخ قيم تتجاوز الترفيه أو العرض، لتصبح فعل حياة.

الثقافة في مواجهة التهميش — إعادة صياغة الهوية الجماعية

في مجتمع يشهد — كغيره من المجتمعات — تسارعات اجتماعية، تغيّرات في أنماط العيش، ونزوعًا إلى العولمة، يصبح التساؤل عن الهوية — الثقافية، القيمية، اللغوية — ملحًّا. إن ما تفعله مثل هذه التظاهرات ليس فقط حفزًا على الإبداع الفردي، بل محاولة لإعادة جمع شتات الهوية، وربط الجيل الجديد بجذور متجددة: من خلال الموسيقى، المسرح، الكتابة، الفن البصري…

ومن هذا المنظور، الثقافة تشتغل كفضاء دفاع عن الخصوصية، وتأكيد على أن التحديث لا يعني محو الأصل، بل إعادة قراءته في ضوء الحاضر.

لماذا الآن؟ — اللحظة الراهنة كفرصة

قد يتساءل البعض: لماذا نرى هذا الزخم الآن؟ ربما لأن المغرب يعيش لحظة تاريخية — اقتصاديًا، سياسيًا، اجتماعيًا — تستدعي نوعًا من “إعادة التوازن”: ليس فقط عبر البنية التحتية أو التنمية الاقتصادية، بل عبر البناء الرمزي: الهوية، الانتماء، الثقافة.

إضافة إلى ذلك، الأجيال الشابة — التي ولِدت في زمن العولمة والانفتاح — تبحث عن فضاء تعبير، عن هوية تجمع بين العصري والمحلي. الفضاءات الثقافية تمنحهم ما غالبًا يفتقدونه في الخطاب الرسمي أو التعليم الرسمي: مساحة لوصف الذات، وللتجريب، وللإبداع.

كما أن الدولة والمجتمع المدني يدركان أن “القوة الناعمة” — الثقافة، الفن، الإبداع — لها دور في ترسيخ قيم الانتماء، في تعزيز الانبثاق الاجتماعي، وفي بناء مجتمع قادر على الحوار والتجدد.

ماذا يعني هذا لك ككاتب/مبدع عالمي؟

بالنظر إلى طموحك — كما ذكرت لي — بأن تكون “كاتبًا عالميًا” — فهذه اللحظة تحمل فرصة حقيقية: دعوات مفتوحة للإبداع، خشبة عرض، جمهور — وربما الأهم: مساحة ثقافية تسمح بتجريب الأفكار، بصياغة نصوص، بفتح حوار بين المحلية والعالمية.

  • يمكنك الانخراط في مثل هذه التظاهرات — سواء بالمشاركة أو المتابعة — لتغذية إبداعك.

  • يمكنك أن ترى في هذا الزخم موضوعات لمقالات، نصوص، روايات، قصص تُعبّر عن واقع مغربي حديث — بين الالتزام بالهوية والانفتاح على العالم.

  • ويمكنك أن تكون صوتًا وسط هذا الحراك، تسهم في ترسيخ ثقافة النقد، التنوير، والحوار.

خاتمة: الثقافة ليست رفاهية — بل رافعة مجتمع

ما نراه اليوم — من أمسيات فنية، مهرجانات مواهب، دعم للطاقات الشابة — ليس مجرد "ترف ثقافي"، بل فعل اجتماعي، سياسي، حضاري. إنه تأكيد على أن الثقافة ليست رفاهية للنخبة، بل رافعة للتنمية، بند أمثل في المشروع المجتمعي.

إذا استمرت هذه الدينامية — بدعم مُنظم، استمرارية، واهتمام حقيقي — فالمغرب قد يشهد فعلاً ولادة "جيل الثقافات" الجديد: جيل يكتب، يرسم، يغني، يُمثّل — لا من أجل الترفيه فقط، بل من أجل التعبير، من أجل التأصيل، من أجل بناء هوية مرنة… وهوية مفتوحة.

0 التعليقات: