الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الاثنين، أغسطس 17، 2015

جمرة الكتابة، بؤس الكاتب، بوار الكتاب

جمرة الكتابة، بؤس الكاتب، بوار الكتاب
 الكاتب، أي كاتب، قبل أن يكون كاتبا، ماهو إلا بشرا مثلنا .. يأكل .. يشرب .. يسعى في الأرض بحثا عن رزقه مثل كل بني آدم …
العديد من الكاتبات والكتاب في العالم من راهنوا على أحصنة أقلامهم وجعلوا من الكتابة مصدر رزقهم، يقتاتون على خبزها ويستحلبون بعض الدريهمات منضرعها الضامر، لتدبير متطلباتهم اليومية الأساسية منها والكمالية، من فنجان القهوة وعلبة السجائر إلى وصفة الدواء أو الإقامة في منتجع جبلي أوشاطئ إن إستطاعوا إلى ذلك سبيلا..
والقليل من الكتاب العالميين المشهورين، من إستطاعوا أن يشيدوا لهم فيلات فارهة وشاليهات معزولة ومغمورة بالسكينة تشع دفئا وتطفح رغدا وبحبوحة، يدخلونها بمفتاح الكتابة وعائداتها المالية أو مايصطلح عليه في بورصة دورالنشر (th best sellers  ) أوالكتب الأكثر مبيعا، والتي تتعدد طبعاتها من الأولى حتى الطبعة العاشرة .. إلخ
ومن الكتاب الكبار، من تعاقدوا مدى عمر الكتابة مع دور النشر التي حققت شهرتها عن طريق نشرمؤلفاتهم بدل أن يحققوا هم شهرتهم عن طريقها، كما هي العادة عندنا في العالم العربي، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر، الكاتب الأمريكي ”جيمس باتيرسون” الذي تربع على عرش أغنى كتاب العالم حسب المجلة الإقتصادية ”فوربيس”  حيث تمكن ”باتيرسون ” هذا من حصد ما يناهز94 مليون دولارسنة 2011 ويأتي في المرتبة الثانية، ”ستيفان كينغ” ب 39 مليون دولار ثم في المرتبة الثالثة، ” جانيت إفانوفيتش” ب 33 مليون دولار.
لن أسرد كل أسماء اللائحة الخمسة عشر، والذي يأتي في آخر قائمتهم ”دين كونز” ب 19 مليون دولار، لكن ليس من الغرابة في شيء إذا كانت هذه اللائحة لاتضم أي كاتب عربي، أوحتى من الشرق الأوسط أو الأقصى مثل العملاقتان الصين أواليابان ..
لكن هناك طائفة أخرى من الكتاب الإلمعيين الذين تتهافت على مؤلفاتهم دورالنشر الأوربية، والعربية مثل إمبرتو إيكو وجوليا كريستيفا، وميشيل فوكوور، ولان بارت، والطاهربن جلون، وإدريس الشرايبي، ورشيد بوجدرة، ونجيب محفوظ، ونزارقباني، ومحمد شكري، وفاطمة المرنيسي، ونوال السعداوي، وعبدالله العروي، ومحمد عابد الجابري .. إلخ
في المقابل فالسواد الأعظم من الكتاب في العالم العربي والعالم الثالث، قد انردمت على رؤوسهم قصور الرمال التي شيدوها في أضغاث الكتابة، فأضاعوا بذلك عمرهم في لاجدوى الكتابة، واحترقت فراشاتهم في تطوافها المحموم، حول نار الإبداع اللافحة ونورها المخادع وتدوين ما يمور به محيط مجتمعاتهم من تقلبات التخلف أو التطور.. وسرعان ما ألفوا أنفسهم ذات ليلة متكورين في ركن صقيعي بإحدى المشافي العمومية الرخيصة يصارعون الموت لحظة بلحظة من دون أن يلتفت إليهم حتى رفقاء درب الكتابة ”المشؤومة”  أوحتى قراءهم الذين إستمتعوا واستلذوا بأجمل قصائد أوقصص أو روايات هؤلاء الكتاب (المرضى) .
كان إذن وفي خضم هذا العوز و(الموت) الزاحف خلسة من تحت أسرة الكتاب أن يبحثوا لهم عن رمق للحياة وعن كرامة ملفوفة في أوراق النقد المالي وليس النقد الأدبي، بدل كرامة ملفوفة في أوراق العفاف والكفاف والغنى عن الناس …  فكانت الطريق الأقرب والأيسر إلى رتق ثقب الجيب، صفحات الجرائد والمجلات هي بمثابة المنقذ من ظلام الجيب والبؤس من خلال التعاقد على نشر أعمدة يومية أو دورية في مختلف ضروب الحياة الثقافية والفكرية والسياسية والإجتماعية ..إلخ كل ذلك مقابل مكافأة مالية أوتعويض .. وتلك حكاية أخرى قد يمتد مسلسلها إلى عشرات الفصول قبل أن تأتي حوالة التعويض في آخر حلقة هذا المسلسل بعد أن تكون قد تراكمت على صاحبنا الكاتب البطل العشرات من القروض والسلفات في إنتظار الذي يأتي ولايأتي أوفي أسوء المشاهد بعد أن يكون المؤلف حقا قد مات.
إن هذا المشهد الكاريكاتوري للكاتب إن لم نقل التراجيدي لذوبان جسد الكاتب العليل في (حمض) الكتابة إذا كان حقا المال هو الشكل المادي للكرامة، قد طرح على المؤسسات الثقافية في بعض الدول العربية سؤال ”التفرغ” قصد إنتاج (الكتابة) في مختلف مناحي الفكر والأدب من تلك الآلة الآدمية الرابضة خلف المكتب والتي يسمونها الكاتب.
فهل الكاتب(ة) بات اليوم أكثرمن أي زمن مضى في حاجة ماسة إلى وضعية ”التفرغ” المنظمة بقانون لممارسة حرفته .. حرفة تمكنه من وضع إعتباري قريب من الوظيفة المنظمة بقانون تلزمه بدفتر تحملات خاص بالإنتاج المنتظم على طول السنة بهدف الحصول على دخل ⁄ راتب ⁄ معاش الكتابة فقط وليس إلا الكتابة لكن في فضاء من الإستقلالية الكاملة في مقاربة فكرية وموقفية متحللة من ضغط ” المقابل” بالمعنى الدارج المغربي من شروط ” اعطيني نعطيك.
من هنا إذن يتبدى غموض هذا “الديليم” الصعب بين التفرغ المنظم بقانون مؤسسة الدولة وبين مهنة الكتابة بماهي نشاط ذهني وفكري وثقافي لايتنفس أوكسجينه الأنقى إلا في سماء الحرية والتعبير الحرفي عن كل القضايا الإنسانية التي تشغله أوتشغل مجتمعه ولايستقيم هرمها إلا على أرض الكرامة …

هل الكاتب في حاجة إذن للتفرغ ؟ ومن هم هؤلاء الكتاب الأحق بوضعية التفرغ ؟ وهل هناك معايير جاهزة على غرار معايير الجودة التي يقوم عليها كل منتوج يعرض للإستهلاك سواء كان ماديا أم رمزيا ؟ أم على الكاتب أن يتحمل تبعات إختياراته مثلما يتحمل عواقب أقداره التي ليس الآخرون ملزمون بتقاسم ألامها معه تماما مثلما مات إدغار ألان بو منبوذا في ركن مقهى . 

0 التعليقات: