تقديم :
كان الأدب والثقافة الإيرانية بشكل عام مثل
جزيرة نائية وملغزة ، مثخنة بالأسراروالكنوزالفارسية النادرة التي لم نتمكن نحن
هنا في الضفة الأطلسية من إستغوارمكنوناتها وذخائرها بالشكل الأوفروالأوسع لأسباب
تتعلق أساسا بالجغرافيا وإكراهاتها واللغة ومفارقاتها الإنسانية وأخيرا السياسة
ومقالبها .
لكن مع قدوم الإنترنت بات بالإمكان هدم جميع هذه الحواجزماظهرمنها وما بطن ، قديمها وحديثها وصارالتواصل أيسربالنقرعلى الزرالرقمي لكي نبحرفي عوالم الأدب والثقافة الإيرانية في كل تجلياتها عبرجسرالترجمة منها وإليها .
ومن الأدباء الإيرانيين الذي يعود له الفضل كل
الفضل في مد جسورالتواصل والتلاقي بين الأدبين الإيراني والعربي نذكرالأديب ،
القاص والشاعروالمترجم موسى بيدج مديرتحريرمجلة شيرازالوازنة والشهيرة الذي
إقتنصنا منه هذا الحوارفي زحمة إنشغالاته المتعددة :
س : الأستاذ موسى بيدج شكرا بداية على قبولكم دعوتنا لإنجاز هذا الحوارالهام الذي
نعتبره جسرا ضافيا بين الأدباء الإيرانيين و المغاربة . هناك أسئلة كثيرة تزدحم أمامنا
الآن لكن بداية كيف تورط الأديب موسى بيدج في لعبة الكتابة و من هم الكتاب من كل الروافد
الذين تأثر بهم ؟
ج : أظن أن كل كتّاب العالم تختبئ في كروموزوماتهم جينة تختص بالكتابة. تبدأ أعراض
هذه الجينة بالظهور في أعمار مختلفة. و أنا كالكثير من أصدقاء القلم ظهرت معي في دروس
الإنشاء في الخامس الإبتدائي.
فحين إنتبهت أن زملائي في الصف ينصتون لي عند قراءتي
اكثر مما ينصتون لغيري فقد عرفت أنني اكتب أشياء تختلف عن التلاميذ الآخرين فابتهجت
لذلك. و هكذا بدأت الكتابة لدي بلحظة سرور طفولي و استمرت بعمر من المسؤولية. أقرأ
و أكتب و أكتب و أشطب.
و اذا كنت تسألني لمن تقرأ سأقول لك لكل من يمنحنا
نصوصا جميلة و مؤثرة و تفيدنا في حياتنا بشيء. فأنا لست من هواة عبارة الفن للفن و
إن كان جميلا. انما أنا مع الفن لخدمة الانسان. و إنساننا اليوم-بصورة عامة- يفتقر
للعمق الإستراتيجي رغم تطوره العلمي. نحن نعيش في زمن تلوّثت فيه الأحاسيس الإنسانية
بإشتغالات الفرد اليومية و صعوبات العيش و ضنك الحياة.
و على هذا الأساس، فأنا أكثر ميلا و رغبة في قراءة
من يكتب عما يشغل الانسان فردا و جمعًا من شؤون و شجون بلغة واضحة-و ليست سطحية- مبتعدة
عن لغة التشفير. و لا أظنني قد تأثرت بأديب دون غيره. فأنا مثل كل أدباء العالم أجمع
في داخلي كل من قرأت له إضافة الى صوتي. فكتاباتهم تجمعني بهم و كتاباتي تفصلني عنهم.
هذا على ما أظن. و لكن يبقى أن يستهويك زاوية نظر بعض الكتّاب أكثر من غيرهم فتقرأ
لهم برغبة و اهتمام أعمق. من هؤلاء مثلا أنا قرأت للكاتب الإيراني جلال آل أحمد(1923-
1969) و للشاعرة فروغ فرخزاد(1934-1966) بشغف أكثر، و من العرب أحببت شجون محمد الماغوط،
و خفة دم توفيق الحكيم، و رومانسية الشابي، و جرأة محمد شكري. و من العالميين، إستحسنت
سحرية ماركيز، و ضبابية خوان رولفو، و تقريرية ميلان كوندرا.
و بالطبع لا أنسى أن لكل زهرة عبيرها و ما أجمل أن
يكون العبير خالصا يعط لحاله و ليس بقوّة الاعلانات التلفازية.
س : كيف بدأ إهتمامكم بترجمة الأدب العربي المشرقي خصوصا ما تعلق برواد الحداثة
مثل أدونيس و نزار قباني و محمد الماغوط و جبران خليل جبران ؟
ج : علاقتي بالأدب العربي و اللغة العربية لها أسباب. أولا أنتمي عائليًا الى نقطة
متاخمة للحدود الايرانية العراقية. هذه المنطقة التي يقطنها الأكراد و المكتظة بغابات
السنديان تعتبر همزة وصل بين العرب و الفرس و لها إنتشارها بين البلدين. ثانيا دراستي
الجامعية العليا كانت في فرع الأدب العربي. و ثالثا فالقارئ الدؤوب للأدب الفارسي سيحتاج
الى نسبة كبيرة من التعرّف على اللغة العربية، كي يبحر في عباب أمهات الكتب الفارسية
و ذلك للتزاوج العميق بين اللغتين و الثقافتين.
هذه الأسباب، إضافة الى شغفي بالأدب الحديث في اللغتين،
و تلمسي للثغرة الموجودة في ساحة التواصل بين الأدبين، دفعتني لأخصص الكثير من وقتي
و سنواتي لمد جسور الترجمة لإعادة أوصال هذه الأمة شرقها و غربها أدبيا، و على قدر
الحال طبعا.
و لأنني رغبت أن يتعرف القارئ من خلال ترجمتي على
الروافد المهمة و يؤسس لديه بانوراما مختزلة للشعر العربي الحديث بدأت بترجمة رواد
الحداثة.
س : ما هو حظ الضفة الأطلسية المغاربية من هذه الترجمات ؟ و ما هي مشاريعك في المستقبل
؟
ج : دعني أطرح الموضوع بهذا الشكل؛ في ظني - و أرجو أن أكون مخطئا- أن في فترة
ما قبل النت و النشر الإلكتروني، كان هناك شبه قطيعة أدبية بين مشرق العالم العربي
و مغربه. و نحن المقيمون في البعيد، على تخوم العالم العربي، لم نكن نحصل على مواد
كثيرة من غرب هذا العالم. فما أقل الكتب الأدبية الصادرة في بيروت عن أدب المغرب العربي؟
و على هذا الأساس و ان كنت شغوفا بالتعرف على أدب المغرب العربي أولا و ترجمة نماذج
منه ثانيا، لم أكن أحصل على مصدر يناسب الترجمة. و لكن في السنوات الأخيرة و بفضل النشر
الالكتروني و العم غوغل خاصة حصل لي شرف التعرف على أسماء جميلة على ساحة النشاط الأدبي
على تلك الضفة.
و بالنسبة للمملكة المغربية وضعت نصوصا لخمسة شعراء
ضمن كتاب يحتوي انطولوجيا للشعر العربي الحديث صدر عن بيت الشعراء في طهران. هؤلاء
الخمسة هم محمد بنيس، صلاح بوسريف، حسن نجمي، عزيز أزغاي، و حسن الوزّاني. و طبعا هناك
الكثير من الشعراء و الكتاب الجديرين بالقراءة و الترجمة لكن جغرافيا الكتاب لم تكن
تتحمل أكثر من ذلك. و المفروض تخصيص عدد من الكتب شعرًا و نثرًا لتلك الضفة من العالم
العربي الجديرة بالإمعان لكثرة أسماءها اللامعة و روافدها الوارفة.
س : بعيدا عن هموم الإيديولوجيا و السياسة و جو الإحتقان السائد حاليا ، كيف يمكننا
أن نرتقي بعلاقاتنا الثقافية في زمن النت و النشر الإلكتروني ؟
ج : النت هو ثورة حقيقية قفزت بنا أميالاً و أجيالاً، فأي شيء أجمل من أننا نقيم
حواراتنا عبره بينما كنّا سابقا ننتظر الرياح لتحرك أشرعتنا او الطيور لتنقل مراسيلنا
و أشواقنا.
لا شك أنه كلما ازدادت سرعة النت، كلما ارتفعت درجة
المسؤولية عند أصحاب النشر الالكتروني، كي يحترموا خصوصية هذه التقنية و الحفاظ على
جودة المواد التي ينشرونها.
س : بخصوص الإعلام الثقافي الإيراني تبقى مجلة شيراز هي نافذتنا في المغرب للإطلالة
على الأدب و الثقافة الإيرانية كيف إنبثقت فكرة تأسيس هذا المشروع الإعلامي الرائد؟
ج : كما أشرت، فأن الثغرة أو الفجوة الممددة بين ضفتي الأدب العربي و الايراني،
هي التي دفعتني لأفكر بطريقة للعمل على ترميم الجسور القديمة كي تعبر من خلالها غزلان
الأدب لترتوي في الضفة الأخرى.
طبعا مشروع المجلة بدأ بعد سنوات من عملي في حقل
ترجمة الأدب العربي الى الفارسية. فكما تجدون في قائمة نتاجاتي في حقل الترجمة، قد
ترجمت لعشرات من الشعراء و الكتاب العرب، بحيث أصبح القارئ الإيراني الملم بالآداب
الأجنبية يعرف الكثير من أسماء الأدباء العرب و نتاجاتهم أو على الأقل يحمل فكرة عن
سلوك الأدب الحديث في العالم العربي شرقا و غربا. مجلة شيراز هي خطوة في رحلة الألف
ميل التي يجب تكريسها من أجل إعادة أوصال هذه الأمة التي تتشابه و تتشابك في شؤونها
و شجونها.
س : ما هي أصداء الأدباء والكتاب المغاربة عند المثقفين الإيرانيين وفي فضاءاتهم
الجامعية ؟
ج : يجب أن نعترف قبل كل شيء بأن حصّة الأدب العربي الحديث من الترجمة في بلدنا
قليلة جدا. فهي أقل من إثنين بالمئة. بمعنى إن ترجم من الأدب العالمي الى الفارسية
مائة كتاب سيحصل أدب البلدان العربية شعرا و نثرا على كتابين فقط. و على هذا الأساس
لم يتجاوزعدد الكتب المترجمة في هذا المضمار في العقود الأربعة الماضية عن ثلاثمائة
كتاب من رواية الى قصة الى دراسة او مسرحية
و شعر.
و قبل أن أعرج على الادباء المغاربة في سؤالك، دعني
أقول ان حصة ترجمة الأدب الايراني الحديث الى العربية لا يتجاوز الصفر الا بشعرة واحدة!
فرصيد الادب العربي الحديث في ايران اذا كان ثلاثمائة كتاب فحساب الادب الإيراني يفتقر
الى هذا العدد عندكم. و هذا الأمر يجعل موقفنا حرجا أمام ابن المقفع و زملائه المترجمين
ممن جاء على ذكرهم ابن النديم في كتابه الفهرس. لأننا بعد إثنى عشر قرنا من بناء صرح
بعنوان دار الحكمة في بغداد مازلنا نراوح في مكاننا ان لم نكن نتقدم الى الخلف!
و بالنسبة لجامعاتنا، فقد بدأت و منذ عقد من الزمان،
تتصالح مع الأدب الحديث، فأفرجت له شيئا من حصصها. و هذا لا يختص بأقسام اللغة العربية
فقط و إنما الأدب الايراني الحديث أيضا لم يكن يحصل على ودّ الاساتذة. فالى قبل فترة
وجيزة كان الاعتقاد السائد لدى هؤلاء هو أن الادب الحديث بمعنى الراهن أو الذي أنتج
في العقود الأخيرة لم يثبت جدارته كي يصبح مادة للتعليم في الجامعة. فمثلا حينما كنت
أدرس الأدب العربي كانت المواد الدراسية التي تبتدأ بالمعلقات لم تكن تتجاوز حقبة أحمد
شوقي و ابوالقاسم الشابي و جبران خليل جبران و من تزامن معهم. طبعا إختلف الوضع الآن
و في يومنا هذا تفرد الكثير من الاطروحات الجامعية للادب الحديث و محدثيه. و أما ما
يخص أدب المملكة المغربية، فقد ترجم لطاهر بن جلّون أربع روايات عن اللغة الفرنسية.
وأقولها بحزن أننی لا أتذكر غيره ممن ترجم عنهم الى الفارسية.
س : إلى اي حد أسهم الإنترنت والنشرالإلكتروني في التعريف بالأدب الإيراني وتطويره
رقميا وهل يوجد في إيران ادب رقمي ؟
ج : النت دار تعارف، سريع التفاعل، يؤسس صداقات و زمالات و عداوات تخرج عن الزمن
المألوف. فهو سنان ذو حدين، يطوّر و يشوّه. و ميزته الاولى أنه يتملص من سلطة الرقيب.
فالكثير من المواد التي لا تولد ورقيا، ترى النور رقميا و هذا أمر جيد. فهو إختصار
للوقت و تلخيص للمسافة. و لكن يبقى أن لا نغفل عن ظهور الغث من المواد الخام و العسيرة
الهضم الى جانب السمين و الثمين. و نحن طبعا لدينا أدبًا رقميًا من شأنه أن يوفّر الساحة
و المساحة للتعريف بالأدب و لكن بشروط خاصة و جودة المواد و سلامة النصوص و براءة أخلاق
الأدب و الاديب يجب أن تكون من ضمن شهادات هذا الحوار.
س : في ظل سيطرة وسائط النشرالإلكتروني وهيمنتها المتصاعدة على مختلف إبداعاتنا
الأدبية والثقافية كيف تنظرإلى مستقبل النشرالورقي في إيران والعالم بشكل اوسع ؟
ج : قرأت حوارا للشاعر نزار قباني يقول فيه أنه لا يعرف ماذا سيحل بالشعر بعد خمسين
عاما هل مثلا سيصبح كبسولة نقتنيها من الصيدلات و نبلعها مع كوب ماء و نتخلص من حاجتنا
الى الشعر؟!
و أنا أيضا لا أدري ما سيكون مستقبل النشر الورقي
في ايران و العالم. فالوقت مازال مبكرا للتنبؤ بهذا المستقبل و ما يضمره القدر للورق.
هل سنستغني عنه و ندعه يعيش مع أهله في الشجر آمنًا؟ الذي أعرفه أننا مازلنا نناصر
الورق فأنا شخصيا -و ان كنت من أنصار النشر الإلكتروني- و الكثير من أمثالي مازلنا
نفضّل القراءة الورقية على الرقمية. فما أجمل أن تتمدد على الأريكة و السرير و تقرأ
كتابًا! اذن يا صديقي دع المستقبل للمستقبليين. فكما المياه تشق طريقها بين التراب
و الصخور، أظن أن الحرب القائمة بين الورق و الرقم ستصل الى الحل الذي يجب أن تصل اليه.
س : يعيش العالم العربي من الماء إلى الماء مايسمى بالربيع العربي كيف ينظرالمثقفون
الإيرانيون إلى مايجري هناك على مرمى حجرمنهم ؟
ج : الربيع العربي، و الصّحوة الإسلامية، و التغيير، و العصر الجديد، و ما شاكلها
من عبارات جميلة مثل التخلص من هيمنة القرار الأوحد و استبداد الرأي، من شأنها أن توسّع
فسحة الأمل و أن تأخذ بناصية الإنسان المعذّب ليأخذ نصيبه من القرار و التحكّم بحياته
وفق أصول ديموقراطية يحتاج اليها أكثر من أي وقت مضى. لكن اذا تغيّرت الأسماء دون الأفعال
فما الجدوى من التغيير؟
الحقيقة، أنا و كل الذين من أمثالي، قلوبنا مفعمة
بالبهجة بما يجري من تغيير في البلدان العربية. و لكن، عندما أسمع كل يوم يقتل الأبرياء
في الشوارع أفواجا أحزن و أتمنى أن تصل الحكومات الجديدة في تلك البلدان الى نقطة الاستقرار
و تنتهي المشاحنات بين طوائفها و تبدأ بالإعمار.
0 التعليقات:
إرسال تعليق