هل سنكون آلهة المستقبل وماذا يمكن أن نفعل؟ ترجمة عبده حقي

في عام 2014 ، عينت شركة رأس المال الاستثماري في هونغ كونغ خوارزمية استثمار تسمى فيتال في مجلس إدارتها. وكباقي أعضاء مجلس الإدارة الخمسة ، حصل فيتال على تصويت. وفي الآونة الأخيرة ، عينت شركة المحاماة الأمريكية باكير أوستيلير محاميًا ذكيًا هو "روس" لشركة إي بي إم واستون ، للبحث في قضايا الإفلاس.

شكل كتاب هراري الأخير (سابيانس) أنشودة لقوى الخيال الجماعي للبشرية. لقد ساعدتنا قدرتنا على خلق روايات عملاقة - الأسواق والقوانين والشركات والأديان والأيديولوجيات - على السيطرة على الأرض. لكن سابيانس هذا  اختتم بملاحظات أكثر قتامة حول كيف يمكن لهذه الأخبار الضخمة أن توجه تقنياتنا الجديدة ، التحويلية ، المعلوماتية والبيولوجية. "هل هناك شيء أخطر من الآلهة غير الراضية وغير المسؤولة التي لا تعرف ماذا تريد؟" كان هذا هوالسؤال الختامي لهراري.

لقد حاول هومو دوس الإجابة عن هذا السؤال بكل التألق التربوي والموسوعي الذي سبقه. لكن في هذا المجلد ، أذهلني الارتقاء الكوني لمشروع هراري. بسحر كبير ، حيث قرر ركوب اثنين من خيول هوايته المفضلة في منتصف هذه المنطقة: لقد فكر في أن دون كيشوت وسانشو بانزا كانا يهرولان نحو التفرد.

إن البوذية هي أول حصان هواية لهاراري: فهو طالب متحمس من نسختها فيباسانا ، ويحتل مدرسه الراحل موقعًا رئيسيًا في تقدير الكثيرين . تهدف الكثير من الممارسات البوذية إلى تفكيك الأنا في عالم من العمليات المتدفقة والمتصلة. في حماسته للخوارزميات باعتبارها ستكون "العلم الرئيسي" للمستقبل ، يعتمد هراري على هذه النظرة إلى العالم.

لقد جمع بحثًا مكثفًا ليبين أن هناك الآن "عقيدة علمية" حول الاستمرارية بين قواعد الانتقاء الطبيعي في التطور وقواعد حوسبة المعلومات في أجهزتنا. ("إن الكائنات الحية عبارة عن خوارزميات" هو شعار هراري البليغ والصعب). فسواء كانت مصنوعة من الحمض النووي أو البايتات الرقمية ، فإن الخوارزمية عبارة عن برنامج ، أو مجموعة من الإرشادات ، تتخذ خيارات فعالة باستمرار. لكن هذه الخوارزميات غير مبالية بـ "الركيزة" التي تمكنها من ممارساتها - سواء كانت عضوية أو غير عضوية ، أو من الكربون أو السيليكون.

يقول هراري إن الخوارزمية ستحكم البشر على نحو متزايد - ومن المفارقات أن اللوم يقع على عاتق إنسانيتنا. من خلال "تنحية" الله ، ووضع إرادة الإنسان في مركز الوجود ، لقد نجحنا حتى الآن في جعل العلم والتكنولوجيا يخدم غاياتنا. ومع ذلك ، لكي تساعدنا الآلات الذكية في متابعة سعادتنا ، فقد سمحنا لها بتحديد وقياس حياتنا عبر الخوارزميات.

إننا نتفاعل كل يوم من خلال غوغل وفيسبوك.  واستنادًا إلى وجهة نظرهم الشاملة عنا ، يتوقع هراري مستقبلًا سيتم فيه استبدال الأفراد بـ "الأفراد". ستنظر هذه الأنظمة إلى ذواتنا الثمينة على أنها مجموعة من الوظائف التي يمكن التحكم فيها والتي يمكن التنبؤ بها في الغالب. سيكون واقعنا "شبكة من الخوارزميات البيوكيميائية والإلكترونية ، بدون حدود واضحة ، وبدون محاور فردية".

بالنسبة إلى هراري ، المتأمل المخضرم ، فإن الليبرالية قد انهارت منذ اليوم الذي عرفني فيه النظام المدفوع على الخوارزمية "أكثر مما أعرف بنفسي. وهو أقل صعوبة مما قد يبدو ، بالنظر إلى أن معظم الناس لا يعرفون أنفسهم جيدًا حقًا ".

فقرة بعد أخرى، هناك الكثير من السخرية في هذا الكتاب. لكنك ستدرك في النهاية أن المرح يشكل بنيتها الشاملة. بدلاً من أن يكون احتفالًا يقرأ على الشاطئ لإلهتنا الوشيك ، يسحب هومو دوس المنشفة من تحت شبشبها الخاص.

هناك الكثير من الاجترار حول إمكانية إنشاء "دين" جديد يسمى "داتاييسم" ولكي أكون صادقًا ، يبدو الأمر وكأنه بوذية سحابية . كل كيان هو وحدة تعالج البيانات على مستويات مختلفة من التعقيد (من الزرافة إلى الطماطم إلى الإنسان). سوف تتشكل خياراتنا السياسية والاجتماعية من قبل علماء خوارزميين متعاطفين. يصبح "إنترنت كل الأشياء" بشكل فعال ، نيرفانا.

لقد تعارض حصان الهواية الآخر الذي يمتلكه هراري مع معاداة الإنسانية التي تتصدر العناوين الرئيسية. مؤيدًا شغوفًا لحقوق الحيوان ، أسهب في الحديث عن كيفية معاملة الإنسان للحيوانات على أنها "شكل حياة أدنى" وأنها أصبحت الآن مشكلة - "ربما لأننا على وشك أن نصبح كذلك".

إذا كنا سنقاتل ضد ذكاء اصطناعي قوي يحاول قتلنا ، فكيف يمكننا تبرير قتل الحيوانات الأليفة ؟ في عالم قد تصبح فيه خيالاتنا الممكّنة تقنيًا "أقوى قوة على وجه الأرض" ، يمتلك هراري اختبارًا مباشرًا لما هو حقيقي : "هل يعاني؟"

يقول هراري إن أحد خطوط دفاعنا ضد الآلات قد يأتي من نوع من التضامن بين الأنواع ، لا سيما فيما يتعلق بمسألة طبيعة تجربة الكائن الحي.

على الرغم من كل الأصولية الخوارزمية الواضحة ، إلا أن هراري كان لاذعا بشأن علوم الوعي ، وعدم قدرتها على شرح "كيف يخلق مزيج من التفاعلات الكيميائية الحيوية والتيارات الكهربائية في الدماغ تجربة ذاتية للألم أو الغضب أو الحب".

يستمد علم الأعصاب وعلم النفس في الغالب نتائج اختباراتهم من الطلاب ، وهي فئة مما يسميه هراري غربيون ، متعلمون ، صناعيون ، أغنياء ، ديمقراطيون. يوجد الكثير من التنوع العقلي وراء ذلك ، ليس أقله داخل الثقافات التي تقدر الدول الحكيمة والمرتفعة. لدينا أيضًا إحساس متزايد بالكيفية التي يمكن بها للكليات التي تعاني من تجربة الكائنات الحية الأخرى - تحديد موقع الخفافيش بالصدى ، أو أغنية الحوت - أن تشير إلى عوالم داخلية رائعة ومختلفة نوعياً.

مترجم بتصرف

Posted in: ترجمات, مقالات نقد