باريس مدينة الحب والأزياء والكرواسون والفنانين و... بق الفراش أيضا ؟! أجل .. قلت بق الفراش !! في هذه الملحمة السخيفة، سنغوص في قلب الحياة السرية لهذه الحشرات الصغيرة الذكية التي باتت تسكن الأسرة الأرستوقراطية في العاصمة الفرنسية.
عالم غريب يمتزج فيه الواقع بالكوابيس، والحوارات غير المحتملة، وحتى طقطقات الكراسي وحزن الأرائك التي يعشش في ثناياها جحافل هذا البق اللعين.
ما الذي يوجد
بين هذه التجويفات التي لا عمق لها، المنحدرات الحميمية ، لدرجة الاعتقاد بأن أنفاس
القبلات الحارة قد تشكلت عليها وفيها ، ما الذي بينها وبين هذه الهجمات البقية ؟
هذا هو السؤال الذي بات يشغل عقولنا الفضولية نحن القادمين من الضفة الأخرى . هل
هي استعارة للحالة الإنسانية، أم استعارة لهشاشة أحلامنا، أم مجرد لقاء غير محتمل
بين عالمين لا متوازيين؟
لقد تبين لي أنا
الكاتب الفرنكفوني المغربي المقيم هنا في باريس منذ السبعينات أن الحوار بيني وبين
بق الفراش كان بمثابة تجربة سريالية. لقد طور بق الفراش، وهي مخلوقات ليلية غير
مرغوب فيها، لغة لاتينية معقدة، تمزج بين الهمسات الغامضة والخدش اللحني بين دفتي
الموسوعات .
جلست على كرسي ذي
ذراعين يشبه شكله شكل الكابوس، وبدأت محادثة غير محتملة مع هذه الحشرات التي يبدو
أنها تحمل مفاتيح اللغز الباريسي.
"ما الذي تبحث عنه في أسرتهم ؟"
سألت بمزيج من عدم التصديق والانبهار.
أجابتني بقة شقراء
بنبرة هادئة : "إننا نسعى فقط لمشاركة أحلامنا مع البشر النوام، لننسج روابط
غير مرئية بين الأحلام والواقع. نحن حراس أسرار الليل".
أصدر الكرسي ،
الذي بدا أيضًا أن لديه رأيا خاصًا به حول البق ، صوت صرير شرير كما لو كان يوافق
على كلمات بق الفراش. هل كنت أعاني من كابوس في اليقظة أو كنت أشهد اجتماعًا سريًا
بين كيانات خارقة للطبيعة؟
ومن خلال حوارنا،
أيقنت أن بق الفراش لديه شغف بالفن المعاصر والفلسفة الوجودية. لقد اقتبس من سارتر
وكامو بسهولة مثيرة للقلق، في حين اشتكى الكرسي ذو الذراعين من وجوده غير المريح
ورغبته في إعادة اختراعه كعمل فني لما بعد الحداثة.
ومع استمرار حوارنا،
كشف لي البق عن رغبته في مغادرة العاصمة باريس لاستكشاف عالمنا العربي الجنوبي،
بحثًا عن أسرة وأحلام جديدة لإزعاجها والتأثير عليها. في هذه الأثناء، كان لدى
الكرسي ذي الذراعين خططه العظيمة للثورة على جحافل البق الكامنة في تجاويفه
القديمة.
وفي نهاية هذا الحوار
السريالي، غادرت مكتبي، تاركًا البق والكرسي والكوابيس ليواصلوا حواراتهم
الباطنية. من المؤكد أن باريس، مدينة الأنوار، قد أخفت الكثير من الألغاز عني، بما
في ذلك في نوع حشوات أسرتها.
المغامرات غير العادية
لبق الفراش في باريس لم تتوقف عند هذا الحد. في الواقع، لقد قاموا بتطوير شبكة
اجتماعية واسعة تحت الأرض حيث يشاركون في مراجعات كتب تفسير الأحلام لسيغموند
فرويد ، ويستضيفون حفلات رقص على فراشهم المقمر، ويبدعون أعمالًا فنية باستخدام
بقايا الطعام من سهرات الليالي المضطربة. في عالمهم الموازٍي حيث تسود العبثية،
باريس الليلية حيث الأحلام هي ملعبهم الرئيسي.
أمس الثلاثاء بينما
كنت أسير في إحدى الحدائق الباريسية، رأيت مجموعة من بق الفراش يلعبون لعبة الشريطة
على الطريق. كان كل واحد منهم يقفز من مربع إلى آخر برشاقة وخفة مدهشة.
وأنا مفتونً
بلهوهم ، قررت أن أراقبهم عن كثب. عندها أدركت أن المربعات كانت في الواقع قطعًا
من الشوكولاتة الكستنائية ، وأن بق الفراش كان يلعب على نسخة شهية من لعبة الشريطة
. يبدو أنهم كانوا يقضون وقتًا ممتعًا، على الرغم من سمعتهم السيئة حاليا في وطن
موليير.
أثناء حديثي مع
أحدهم، اكتشفت أن لديهم حس دعابة متقدم وأنهم يعشقون تقنية التورية. حكوا لي نكات
سخيفة عن الحياة الليلية الباريسية، وتساءل قائدهم : "لماذا لا يعاني بق
الفراش من مشاكل مالية أبدًا؟ وأجاب في حينه على سؤاله : لأنهم دائمًا مستلقون في
الأسرة والأرائك الأرستوقراطية لعلية المجتمع !"
بق الفراش الباريسي
ليس مجرد مزحة. إن لديهم أيضًا شغف عميق لسمفونيات موزارت وروك جوني هاليداي.
وينظمون بانتظام حفلات سرية في الكواليس مع فرق موسيقى الروك المكونة من صراصير
محلية حيث يتردد صدى أصوات قيثاراتها الكهربائية والطبول في أحلك أركان الليل
الباريسي، مما يخلق جوًا فريدًا وآسرًا.
بل إن حبهم للفن
لا يتوقف عند هذا الحد. فقد طور هذا الجيل الجديد من البق الفرنسي أيضًا موهبة
الرسم. باستخدام زغبات الاستشعار كفرشاة للرسم ومزج الأصباغ المصنوعة من مخلوط غبار
البطانيات وعرق الأجساد المالح التي تفوح منها رائحة الاحتكاك ، وهم يقومون بإنشاء
أعمال تجريدية رائعة تجسد جوهر أحلامهم العميقة.
لذلك، أيها
القارئ المهاجر في المرة القادمة التي تشعر فيها أن سريرك قد بات مخبأ للكوابيس
البقية ، تذكر أن بق الفراش في باريس قد
يكون فنانا تشكيليا ، أو لاعبا على رقعة الشوكولاتة، أو راقصا باليه على إيقاع الليل
الحشري.
إن عالمهم
الغريب والسخيف بات يعد جزءًا غير متوقع من سحر مدينة الأنوار، وهو دليل على أنه
حتى أكثر المخلوقات غير المتوقعة يمكن أن تجد مكانها في نسيج الحياة الباريسية
المعقدة . فمن يدري ما الذي ستكتشفه في المرة القادمة التي تغامر فيها بالدخول إلى
أحلام العاصمة ؟ باريس مدينة مليئة بالمفاجآت، حتى تحت البطانيات والوسائد الرخوة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق