الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، نوفمبر 10، 2023

نص سردي "فاس والكل في فاس " (1) عبده حقي


وما أنا إلا مسافر زائل وسط سيمفونية هذه الحياة. من الأزقة المتعرجة إلى المعالم الأثرية العظمى، أعبر الممرات المرصوفة بالحصى الصلد، متتبعًا خطى الأرواح القديمة. كل زاوية تكشف عن فصل جديد، قصص منقوشة على الجدران، تهمسها الريح. جوهر فاس، فسيفساء بحد ذاته، مكونة من حكايات هامسة ، تتراقص في عروقي.

في الطالعتين أجدني ، حيث تمتزج الألوان النابضة بالحياة والنكهات الغريبة. وتنبض ساحات السوق بالأحاديث ورائحة البهارات وابتسامات الحرفيين. أنغمس في سوق الحياة هذا، وأمتص الطاقة الانتقائية التي يبدو أنها تتجاوز الزمن، وتربطني بعصور ماضية طويلة.

تحت السماء الياقوتية الممتدة مثل لوحة قماشية لا نهاية لها . ترسم الشمس جدران مدينة فاس بألوانها الذهبية، وتلقي بظلالها المديدة التي تحكي قصص مرور العمر. ومع حلول الليل، تشع آلاف المصابيح، وتلقي وهجًا سماويًا على الشوارع العتيقة، مشهد ساحر يبدو وكأنه مستوحى من قصص ألف ليلة وليلة .

أجد العزاء في الزوايا الهادئة للرياضات المزينة بالفسيفساء المعقدة، في ملاذ بعيدًا عن نبض المدينة . هنا، أجد الوقت للتأمل، محاطًا بالجمال الخالد الذي يلملم فاس.

يتردد صدى الأذان في الهواء، ويتردد صداه في جميع أنحاء المدينة. لحنا جميلا يتجاوز العالم الأرضي.

لا تقتصر روح فاس على العالم المادي؛ وتتجاوز إلى حرم روحاني. إنه في التقاليد القديمة، والأناشيد الصوفية التي يتردد صداها خلال الليالي، والحكمة التي تهمس بها الجدران القديمة. كل زاوية تخبئ سرًا، قصة تترقب سماعها، وتجربة تنتظر أن نشعر بها.

وبينما أنغمس في هذا النسيج ، أذكر أن فاس ليست مجرد مكان؛ إنها كيان حي يتنفس، أغنية تستمر في العزف عبر الزمن. جوهرها، مثل الطنين المنخفض للنغمة الساحرة، يبقى في الروح، ويترك علامة لا تمحى لفترة طويلة بعد أن أغادر عناقها الساحر. فاس ملاذ للنفس الوثنية، مزين بأشجار الرمان وكروم العنب وألحان العندليب.

في هذه التأملات، أجدني منغمسًا في جوهر مدينة فاس، المدينة القديمة التي تتحدث إلى الروح، حيث يحكي كل ركن منها قصة، وكل لحظة هي بيت شعر في أغنية الوجود الخالدة.

يتبع


0 التعليقات: