الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الجمعة، نوفمبر 10، 2023

قصة قصيرة "في قاعة الانتظار" (1) عبده حقي


 في غرفة الانتظار، كان الجو متجمدًا، كما لو أن الزمن قد توقف في هذا المكان المريح، الذي تشوبه جدران باللون الأبيض والرمادي والأزياء الشتوية للأشخاص من حولي. كنت هناك، أرافق زوجتي إلى موعدها مع طبيب الأسنان، وأترك ​​أفكاري تتجول عبر صفحات ناشيونال جيوغرافيك، وأشهد عالمًا ينفتح أمامي.

بدت الساعات وكأنها تمتد إلى ما لا نهاية، ضائعة في برودة هذا المساء الشتوي، حيث بدأ الليل مبكرًا. أثناء جلوسي، راقبت كل تفاصيل الغرفة، وهي صورة مصغرة تمتزج فيها همهمة الكبار مع حفيف المعاطف، والضوء الناعم للمصابيح ومجموعة متنوعة من المجلات الموضوعة بلا مبالاة على الطاولة.

وكانت المجلة التي بين يدي نافذة مفتوحة على العالم، تكشف عن أراضٍ بعيدة وعجائب طبيعية وحقائق آسرة. تاهت عيناي في الصور، وانغمست في حميمية البراكين، وأعماقها السوداء، وروحها المتفجرة، التي انفجرت في سيل من الحمم المتوهجة. كانت كل لقطة تحكي قصة، وتلتقط لحظات سريعة الزوال كانت تبدو على بعد آلاف الأميال من غرفة الانتظار هذه، لكنها مع ذلك أذهلتني.

مر الوقت ببطء، وكأن الثواني تتلذذ بالتمدد والالتواء، مما يوحي بأن الانتظار أصبح بعدا موازيا، حيث امتزج نفاد الصبر بالفضول. وبدا الناس من حولي أيضًا محاصرين في هذه الفقاعة الزمنية، يتأرجحون بين الانزعاج والقبول المستسلم، كل منهم منهمك في أفكاره أو قراءاته.

زوجتي، بدورها، بدت سجينة زمنيّة أخرى، هذا الانتظار الذي امتدّ وامتدّ من جديد. غيابها، رغم حضوره، بدا بعيدًا، وكأن عالمها الداخلي قد استوعبها، وترك عقلها يهيم بعيدًا عن غرفة الانتظار الدنيوية.

قلبت صفحات المجلة التي تكشف عن أراضٍ بعيدة وحيوانات برية وشعوب غريبة. تركت نفسي تنتقل عبر القصص المرئية، وانجرف إلى عالم اختلط فيه الهروب بالمعرفة، حيث أصبحت كل صورة بابًا مفتوحًا للمجهول.

وأخيراً مر الوقت، وخرجت زوجتي من موعدها، كسرت سحر هذا الانتظار. ظهرت على وجهها ابتسامة ارتياح، وعندما غادرنا غرفة الانتظار أدركت أن هذه التجربة، على الرغم من أنها تبدو بسيطة، كانت بمثابة رحلة انتظار، تمزج بين اكتشاف العالم والصبر، وتحول لحظة الملل إلى استكشاف الخيال.

في غرفة الانتظار، كان الجو مشوبًا بالأراضي البعيدة، لينقل عقلي إلى الأراضي الغريبة حيث تبدو المغامرة كل يوم. ظهرالمستكشفون الشجعان، أمام عيني، وهم يرتدون سراويل ركوب الخيل، وأحذية ذات رباط، ويرتدون خوذات من اللباب. حضورهم المتجمد في صورة أسر نظري، ويستحضر قصص الاستكشاف والاكتشاف والغرابة.

صورة رجل ميت معلق على عمود، تهمس بأسطورة غامضة، ولغز في المناظر الطبيعية المليئة بالعجائب والألغاز. وبجانبه أطفال برؤوس مدببة، ملفوفون في دائرة غامضة، مربوطون بخيط، يبدو أنهم يأتون من عالم موازٍ، مليء بعادات غريبة ورائعة. قدمت نساء سود عاريات، مزينة أعناقهن بخيوط متشابكة، تذكرنا بشكل غريب بعقد المصابيح الكهربائية، برؤية غريبة ومثيرة للقلق. بدت أثدائهن، التي تم تشكيلها بجمالية غير معروفة ومزعجة، بمثابة لغز وتحدي للنظر والفهم.

يتبع


0 التعليقات: