الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، نوفمبر 12، 2023

نص سردي "فاس والكل في فاس " (3) عبده حقي

 


فاس، فسيفساء معقدة من الحجر والروح، تحيطني بأحضانها، وأنا أقف، وهي مجرد انعكاس لصلابة المدينة الخالدة. يحكي كل حجر قصة محفورة بهمسات الماضي، ماضي يذوب مثل الدم المفقود في لحظات محجوبة، مختبئًا داخل الأرباع الغامضة لصباح هادئ ولكنه شاحب.

تكشف الحجارة، الناعمة والصلبة، عن مرونة الزمن في مظهرها المصقول. لقد نجت من فعل العصور، وشهدت على مد وجزر الوجود. جوهرها الأسرار الخفية لمدينة قديمة تتكشف مثل قصيدة غامضة، تنتظر فك رموزها من قبل أولئك الذين يرغبون في الاستماع إليها.

وبينما أتكئ على هذه الجدران الحجرية الشامخة ، أصبح مراقبًا صامتًا لجوهر فاس. منغمسا في القصص التي يجب أن ترويها هذه المباني القديمة، مستوعبًا الهمسات الصامتة للتاريخ الذي يتبدد في الزوايا والشقوق ، تمامًا مثل تلاشي الدم في لحظات مخفية مراوغة تختبئ في الفجر الشاحب. .

رياح فاس، الشرسة واللطيفة، تداعب إيهابها الحجري. إنهم يحملون في داخلهم همسات من حقبة ماضية، وأسرار متشابكة مع نسيج وجود المدينة. أنا لست سوى شخصية وحيدة وسط زوبعة التاريخ هذه، متأثرًا بالرقص الأثيري للحكايات القديمة التي تتلاشى في الزوايا الغامضة لصباح يحمر خجلاً في الدقة.

توفر هذه الحجارة، التي تتحمل ثقل القرون، إحساسًا بالاستقرار وسط المد والجزر المتغير باستمرار للوجود. لقد أدخلوني في تاريخ هذا المكان، مما سمح لي أن أشعر بنبض الزمن في حضورهم الصامت والدائم. ومع ذلك، في قلب صلابتها، تكمن الطبيعة العابرة للحظات التي تذوب مثل الدم الذي يتلاشى في الأجزاء المخفية من صباح مزين بألوان صامتة.

في هدوء الفجر، تبدو فاس وكأنها تحبس أنفاسها، وكأنها تتذوق التوازن الدقيق بين الماضي المنسي والحاضر الذي يتكشف في ضوئها . تكشف المدينة عن نفسها في همسات، حيث ينضح كل حجر بصمت موقر تقريبًا، ويؤوي أجزاء مخفية من القصص التي تختفي في الجوهر المراوغ للحظات المفقودة في ضوء الفجر الخجول.

في قلب فاس، أنا روح وحيدة تبحث عن العزاء في أحضان هذه الحجارة الخالدة. إنها كحراس لسرد دائم التطور، يجسد مرور الوقت، ويحدد التحولات بين العصور. أقف، جزءًا من هذا اللغز الغامض، جزءًا من الحكاية المعقدة المنسوجة في هذه الجدران الناعمة والدائمة.

يرسم الصباح في فاس صورة للهدوء الخافت، لوحة قماشية يتشابك فيها ماضي المدينة وحاضرها. ضمن هذه الأجواء الأثيرية، أجد نفسي متشابكًا في الرقص بين الديمومة والتلاشي، وأشهد الانحلال البطيء للقصص مثل تلاشي الدم في اللحظات المخفية والخجولة لصباح مطلي بظلال خجولة وصامتة.

في ظل هذه الحجارة، أنا موجود كشاهد متواضع على نعمة فاس الكريمة. تكشف المدينة، مثل الحارس الرواقي، جوهرها من خلال السطوح لأسوارها القديمة، وتتحدث لغة تتجاوز الكلمات، ويتردد صداها مع همسات التاريخ المنسي الذي يختفي في ضوء الصباح الخجول.

تقف حجارة فاس، التي نحتها الزمن وهزتها الرياح، كناية عن زوال الوجود. لا تعكس أسطحها المصقولة تاريخ المدينة فحسب، بل تعكس أيضًا الطبيعة للحظات التي تختفي في أناقة الصباح الشبحية المخفية والمحجبة بألوان بسيطة.

يتبع


0 التعليقات: