الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، نوفمبر 12، 2023

قصة قصيرة "في قاعة الانتظار" (3) عبده حقي

لكن وسط زوبعة الأفكار هذه، ظل همس في ذهني: أنت "أنا"  ، واحد من بين كثيرين. ولكن لماذا يجب أن تكون واحدًا فقط؟ لقد كانت فكرة تحركت في داخلي، سؤالًا يتفتح مثل زهرة رقيقة تبحث عن الضوء. لقد ترددت في النظر بعمق إلى ما جعلني "أنا"، متجنبًا شدة اكتشاف الذات.

تجرأت على اختلاس نظرة جانبية، غير قادرة على مواجهة النظرات العليا - تلك الركبتين، والسراويل، والتنانير، وطيف الأحذية الرمادية المستقرة في الظل. كانت عبارة عن لوحة من الأرجل، لأزواج مختلفة من الأيدي تستريح تحت وهج المصابيح. في تلك اللحظة، واجهت ما هو عادي، لوحة من اللحظات اليومية المرسومة بضربات الروتين. طمأنت نفسي، إذ علمت أنه لم يحدث أي شيء غريب في هذه الغرفة على الإطلاق، وأنه من غير المرجح أن يحدث أي شيء خارج عن المألوف.

ومع ذلك، في السكون الهادئ لتلك الغرفة، زرعت بذرة الفضول نفسها داخل روحي، فضول يرغب في اجتياز عوالم "الذات"، لتقشير طبقات وجودي، للتشكيك في التفرد والتميز. تعدد الهوية. من كانت هذه "أنا"، هذه من بين "أنا" التي لا تعد ولا تحصى في العالم؟

كانت غرفة الانتظار، وهي ملاذ للدنيويين، تحمل سحرًا غير متوقع. تردد صدى جدرانه كفن المألوف، لكن يبدو أن ذهني يدور حول احتمال ذوات متباينة، حول عدد لا يحصى من "الأنا" التي يمكن أن توجد داخل شخص واحد. الجمود في غرفة الانتظار يتناقض مع الزوبعة الداخلية للأفكار، مما يخلق سيمفونية من السكون والتأمل النابض بالحياة.

أثناء تفكيري في هذا التأمل، تحول توقعي لتحويل سبعة إلى لغز الذات. كان الاحتفال الوشيك معلقًا في الهواء، ويربطني بعتبة تحدد فيها الأرقام النمو والعمر، ولكن في الداخل، تكشفت رحلة غير مرئية، تدعوني لاستكشاف تعقيدات ما يعنيه أن تكون "أنا".

وفي وسط البنطلونات والتنانير والأحذية التي يكتنفها ظلام الغرفة، أحسست بعالم يتجاوز الواقع الظاهري. لم تكن مجرد غرفة يمر فيها الزمن، بل غرفة الإمكانات، حيث كان المألوف يحمل مفاتيح كشف ما هو غير عادي.

لذا، جلست هناك، مثل العديد من "الأنا"، على وشك احتضان عام جديد، مشتاقًا للتعمق في الفروق الدقيقة في الهوية، لكشف أسرار "الأنا" تحت السطح. وفي غرفة الانتظار الهادئة والعميقة تلك، أدركت أن الرحلة الأكثر استثنائية لم تكن فقط في بلوغ السابعة من عمري، ولكن في اكتشاف الأعماق الغامضة للذات.

وسط هذا التنافر بين الدفء والظلام الزاحف، استقر في داخلي شعور بالقلق. كانت الغرفة نموذجًا مصغرًا لثنائيات الحياة، حيث قدمت تفاعلًا بين العناصر المتعارضة، وهي كناية عن العالم الأوسع حيث رقص الضوء والظل رقصة الفالس الأبدية.

وجدت نفسي عالقًا بين هذه القوى المتباينة، متفرجًا في مسرح الوجود الكبير، حيث كانت غرفة الانتظار بمثابة المسرح. اجتمعت الحرارة القمعية، والسطوع الخافت، والظلام الذي يلوح في الأفق، مما خلق سيمفونية من التناقضات التي تكشفت داخل حدود هذا الفضاء الدنيوي على ما يبدو.

في لحظات التجاور هذه، شعرت بموجة من المشاعر - شعور عميق بالتعاطف مع أولئك الذين يقاتلون العناصر في الخارج، وإدراك التناقض الصارخ بين أمان الغرفة والحقائق القاسية للعالم خارج أسوارها.

أصبحت غرفة الانتظار، بضيائها المتواصل وظلامها المتناقض، كناية عن الطبيعة المضطربة للحياة نفسها - مكان يتعايش فيه دفء الأمان مع عدم اليقين المخيف للعالم الخارجي. وداخل هذه الغرفة، وسط موجات متموجة من المشاعر المتناقضة، وجدت نفسي مشاركًا غير مقصود في رقصة كونية، مجرد مراقب للفوضى المتناغمة التي تحدد وجودنا.


0 التعليقات: