الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، نوفمبر 12، 2023

نص سردي "أجنحة الحظ" (3) عبده حقي

في أغنية الموت، أجد نفسي متشابكًا مع الحظ، هذا الكيان المراوغ ذي الملامح المتغيرة، مع لسان الزيت الذي بدا وكأنه يعالج جروحي بلطف، ويغلفني في وهجه الخادع. أخذتني كشعرة ضفرتها بخصلتها، فوحدتني بها بطريقة لا تنفصم، ودمجت مصائرنا في رقصة سريعة الزوال لكنها آسرة.

لقد لمس الحظ جراحي، مثل إكسير الشفاء، وبدا أنه يريحني من عذاباتي. بدا أنه يحملني، ويجعلني أتذوق العناق الحلو لوعودها. كنت على وشك أن أدع نفسي تنجرف بعيدًا عن الفرح الناشئ، الذي أسكر نفسي بالفعل بهذه السعادة التي وجدتها حديثًا، عندما ظهر لي الموت فجأة، عنيدًا، دون جاذبية.

" حان الوقت. "تعالوا،" همست، وصوتها الجليدي يتردد مثل جملة أخيرة، حكم نهائي. في نفس، في لمح البصر، تغير كل شيء. أصبح الموت، المنقوش الآن بأحرف من نار في تقلبات كياني، مرتبطًا بشكل لا ينفصم بمصيري.

الفرح، هذا الرفيق العابر، تم مقاطعته بوحشية من قبل ظل الموت القبر. الحظ الذي بدا وكأنه قد لامس جراحي، تبخر، وأفسح المجال للواقع العنيد المتمثل في محدودية الوجود كله.

وهكذا، في هذا الباليه بين الحظ والموت، أجد نفسي محاصرًا بين سعادة عابرة واحتضان القدر الذي لا يتزعزع. يصبح الموت، في ظهوره المفاجئ، هو الخيط المشترك لحياتي، حضورًا دائمًا، رفيقًا لا مفر منه في كل لحظة.

لقد احتضنني الحظ، بمظاهره المتغيرة، بين ذراعيه مثل طفل مدلل، لكن الموت، مثل شبح شرير، جاء ليحطم هذا الحلم الجميل. لقد تحدتني بسلطة المحتوم العنيدة، وذكّرتني بعدم استقرار الوجود كله، وهشاشة أيامنا المعدودة.

يبدو لي هذا العبور من الحظ إلى الموت وكأنه تحول وحشي، صاعقة تضرب السماء، وتدمر أي وهم بالأمان. الحياة، والفرح، والسعادة، كل هذه المفاهيم تحجب فجأة بالحضور القوي للمجهول العظيم: الموت.

الموت، الموت إلى الأبد الآن. هذه الكلمات يتردد صداها في صمت كياني، وتنقش علامة لا تمحى، وتختم التحالف النهائي بين وجودي والأفق النهائي لمصيرنا المشترك.

وهكذا أجد نفسي أسيرًا لمصير لا مفر منه، بين الزائل والأبدي، بين نور الحظ الزائل وظلمة الموت الأبدية. هذه القوى المتعارضة، مثل المد والجزر ، تشكل نسيج وجودي، وتنسج قصة حيث ترقص الحياة والنهاية في رقص أبدي ومظلم.

لقد مد لي الحظ، بطبيعته الزائلة، يده ليأخذها مني بشكل أفضل. تألقه العابر، في لحظة، طغى عليه واقع الموت البارد، هذا الحضور الحتمي الذي لا جدال فيه والذي يرافق كل خطوة من خطواتي.

وهكذا، في أغنية الموت هذه، أدرك أن الحظ، بلسانه الزيتي ووعوده العابرة، ليس سوى خطوة سريعة الزوال على الطريق نحو النتيجة النهائية. الموت، إلى الأبد، الموت الآن، يظل النغمة الأخيرة لهذه السمفونية، والنتيجة الحتمية للوجود الإنساني كله.

0 التعليقات: