الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، نوفمبر 12، 2023

نص سردي "أجنحة الحظ" عبده حقي


أجد نفسي أسير رقصة مروعة يقودها الحظ بأجنحة متغيرة وخادعة. لقد رفعتني بخفة عابرة نحو سماء الأوهام، حيث بدت السعادة أخيرًا في المتناول. ولكن فجأة، ودون سابق إنذار، انفجرت الألعاب النارية الشريرة في السماء، وملأ الهواء بآلاف الطلقات الصوتية، وأبادتني بانفجاراتها غير متوقعة. سكاكين غير مرئية، خرجت من الظل، اخترقت كياني، ومزقت أحلامي وزخمي.

لقد أخذني الحظ، هذا الرفيق القاسي، إلى بلد بعيد، مملكة السراب والأوهام. ظننت أنني ألامس السماء، أستحم في لذة السعادة الواعدة العابرة. ومع ذلك، فإن الواقع، البارد والعنيد، ذكّرني بعنف بقسوة قدري. لقد ألقيت من علو هذا النعيم المصطنع نحو أرض وطني، أرض مألوفة لكنها الآن تحمل ندوب خيبة الأمل.

لقد حملني الحظ، أيتها الإلهة ذات الأجنحة الهشة، فوق العذابات والشكاوى، ومنحتني لحظة راحة من الظلام الذي يحيط بقلوب البشر. ومع ذلك، في لحظة جنون، سقطت علي مجموعة مراوغة، كامنة في ظلال القمم العالية، مثل انهيار جليدي عنيد. يبدو أن هذه المجموعة، التي تقاتل منذ زمن سحيق، قد وقعت علي مثل القدر نفسه. وهكذا سقطت مرة أخرى على أرض الماضي، الماضي الذي يستمر الآن إلى الأبد في حاضري.

أشعر كأنني كائن مرمي في أيدي القدر المتقلبة، منجرفًا بعيدًا في زوابع مراوغة حيث يمتزج الفرح الزائل بالأكتاف مع معاناة ثابتة. يبدو أن الموت يرقص من حولي، مختبئًا في كل ركن من أركان هذا الوجود الغامض.

أجنحة الحظ، التي كانت قوية وهشة، قدمت لي فترة راحة قصيرة، هروبًا سريعًا إلى عالم أثيري حيث يبدو الهم ممكنًا. لكن الواقع القاسي الذي لا يرحم، لحق بي، ودفعني بوحشية نحو أرض أصولي، حيث كانت الحقيقة العارية تنتظرني.

وفي هذا الدافع المأساوي، أجد نفسي في مواجهة الواقع القاسي، وأعيد الاتصال بالماضي الذي يرفض أن يتبدد. يبدو أن الموت، الكامن في ثنايا القدر، يهمس باسمي في كل منعطف في حياتي. إنه يتسلل بمهارة إلى خطواتي، مذكرًا بهشاشة كل لحظة، وعدم استقرار الوجود بأكمله.

الحظ، هذا الكيان المراوغ، جعلني أتجول بين الأحلام والأهوال، بين الآمال العابرة وخيبات الأمل التي لا هوادة فيها. لقد أخذتني إلى قمة الوهم لترميني بشكل أفضل في هاوية الواقع، وتتركني متأثرًا بقسوة هذا العالم إلى الأبد. أنا طفلة القدر المترنحة، المتأرجحة بين الحياة والموت، بين سكرة الأمل وبرودة الهجر.

وهكذا أبقى أسير هذا الرقص الأبدي بين النقيضين، بين الزوال والأبدية، بين حلاوة الأحلام ووحشية الاستيقاظ. يغني الموت لحنه الجنائزي، بينما الحياة، في هشاشتها، تستمر في النبض في داخلي، سيمفونية متنافرة لكنها إنسانية رائعة.

لقد غمرني الحظ، المتغير مثل الأمواج، بملاءاته الحريرية، وهزني بحنان في شرنقة من السكينة. في تلك اللحظات التي وزعت فيها الابتسامات والكرم على الجميع، المليئة بالكرم اللامحدود، فجأة، كما لو أن قوة ماكرة خرجت من الظل، تغير كل شيء. كان الأمر كما لو أن بكرة غير مرئية انفلتت، وألقت بي في هاوية لا نهاية لها، في سقوط مذهل.

وفي لمح البصر، تحولت نعومة الملاءات الطازجة إلى فراغ سحيق. كل ما اعتقدت أنني قد تبخرت في ضربات القلب. لقد ضربني الواقع، وأعادني بوحشية مثيرة للقلق إلى أرض قدري الصعبة، الأرض التي أصبحت الآن متجهة لي بشكل لا يمكن إصلاحه.

كانت هذه اللحظة بمثابة رقصة غير متوقعة، سيمفونية مفاجئة ووحشية حيث تحول النعيم فجأة إلى فوضى. الحياة، مثل حبل مشدود فوق الهاوية، انقطعت دون سابق إنذار، وتركتني أقع في التقلبات والانعطافات القاسية في قصتي.

لقد رباني الحظ، الذي كان غالبًا رفيقًا متقلبًا، ليغمرني بشكل أفضل في أعماق الوجود التي لا يمكن سبر غورها. أجد نفسي، مرة أخرى، في مواجهة الواقع القاسي، وهو مصير لا مفر منه، وهو الآن مصيري إلى الأبد.

هذا السقوط المفاجئ، ودوار الروح هذا، انتزعني من هذا الوهم الجميل، وأعادني إلى الواقع الخام للحالة الإنسانية. ومن الآن فصاعدا، أحمل ندوب هذا الخريف، شهادة لا تمحى على هشاشة يقيننا وتقلب إنجازاتنا.

لقد تحولت نعومة الملاءات الطازجة إلى إدراك مرير. أدرك، في قسوة هذا الخريف، أنه لا شيء يؤخذ على محمل الجد، وأنه حتى الثروة الأكثر ذكاءً يمكن أن تتبدد في لمح البصر. إن الأرض الباردة التي أسقط عليها أصبحت الآن مألوفة بالنسبة لي أكثر من أي وقت مضى، لأنها هناك تتشكل الآن الخطوط العريضة الحتمية لوجودي.

وهكذا، مثل المشاء على حبل مشدود على خيط الوجود الهش، أتنقل بين وهم السيطرة وواقع القدر العنيد. لقد جلب لي الحظ، في أحضانه العابرة، ملاءات ناعمة فقط لتنتزعها مني، مما يسمح لي بالسقوط على أرض قدري القاسية، وهو القدر الذي أصبح الآن راسخًا بداخلي إلى الأبد.

في أغنية الموت، أجد نفسي متشابكًا مع الحظ، هذا الكيان المراوغ ذي الملامح المتغيرة، مع لسان الزيت الذي بدا وكأنه يعالج جروحي بلطف، ويغلفني في وهجه الخادع. أخذتني كشعرة ضفرتها بخصلتها، فوحدتني بها بطريقة لا تنفصم، ودمجت مصائرنا في رقصة سريعة الزوال لكنها آسرة.

لقد لمس الحظ جراحي، مثل إكسير الشفاء، وبدا أنه يريحني من عذاباتي. بدا أنه يحملني، ويجعلني أتذوق العناق الحلو لوعودها. كنت على وشك أن أدع نفسي تنجرف بعيدًا عن الفرح الناشئ، الذي أسكر نفسي بالفعل بهذه السعادة التي وجدتها حديثًا، عندما ظهر لي الموت فجأة، عنيدًا، دون جاذبية.

" حان الوقت. "تعالوا،" همست، وصوتها الجليدي يتردد مثل جملة أخيرة، حكم نهائي. في نفس، في لمح البصر، تغير كل شيء. أصبح الموت، المنقوش الآن بأحرف من نار في تقلبات كياني، مرتبطًا بشكل لا ينفصم بمصيري.

الفرح، هذا الرفيق العابر، تم مقاطعته بوحشية من قبل ظل الموت القبر. الحظ الذي بدا وكأنه قد لامس جراحي، تبخر، وأفسح المجال للواقع العنيد المتمثل في محدودية الوجود كله.

وهكذا، في هذا الباليه بين الحظ والموت، أجد نفسي محاصرًا بين سعادة عابرة واحتضان القدر الذي لا يتزعزع. يصبح الموت، في ظهوره المفاجئ، هو الخيط المشترك لحياتي، حضورًا دائمًا، رفيقًا لا مفر منه في كل لحظة.

لقد احتضنني الحظ، بمظاهره المتغيرة، بين ذراعيه مثل طفل مدلل، لكن الموت، مثل شبح شرير، جاء ليحطم هذا الحلم الجميل. لقد تحدتني بسلطة المحتوم العنيدة، وذكّرتني بعدم استقرار الوجود كله، وهشاشة أيامنا المعدودة.

يبدو لي هذا العبور من الحظ إلى الموت وكأنه تحول وحشي، صاعقة تضرب السماء، وتدمر أي وهم بالأمان. الحياة، والفرح، والسعادة، كل هذه المفاهيم تحجب فجأة بالحضور القوي للمجهول العظيم: الموت.

الموت، الموت إلى الأبد الآن. هذه الكلمات يتردد صداها في صمت كياني، وتنقش علامة لا تمحى، وتختم التحالف النهائي بين وجودي والأفق النهائي لمصيرنا المشترك.

وهكذا أجد نفسي أسيرًا لمصير لا مفر منه، بين الزائل والأبدي، بين نور الحظ الزائل وظلمة الموت الأبدية. هذه القوى المتعارضة، مثل المد والجزر ، تشكل نسيج وجودي، وتنسج قصة حيث ترقص الحياة والنهاية في رقص أبدي ومظلم.

لقد مد لي الحظ، بطبيعته الزائلة، يده ليأخذها مني بشكل أفضل. تألقه العابر، في لحظة، طغى عليه واقع الموت البارد، هذا الحضور الحتمي الذي لا جدال فيه والذي يرافق كل خطوة من خطواتي.

وهكذا، في أغنية الموت هذه، أدرك أن الحظ، بلسانه الزيتي ووعوده العابرة، ليس سوى خطوة سريعة الزوال على الطريق نحو النتيجة النهائية. الموت، إلى الأبد، الموت الآن، يظل النغمة الأخيرة لهذه السمفونية، والنتيجة الحتمية للوجود الإنساني كله.

0 التعليقات: