الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأربعاء، ديسمبر 06، 2023

نص سردي "جسدي نحات ظلاله" عبده حقي

 


في حرم أفكاري، أنحت ملامح ظلالي التي تستعصي على التشكيل. عبر احتضان الألغاز، أقوم بتشكيل الصور الظلالية الغامضة ، وأنحت جوهرها في أقبية الهزيع الليلي. يغوص إزميل الاستبطان بين الشقوق الجوانية، ويكشف عن ذخائر من الرغبات المتشابكة مثل الكروم العنابية في حديقة أجدادي المنسية.

في قبو ورشتي ، تغفو منحوتاتي الحميمية العارية ، التي ولدت من كيمياء التخييل والتأملات. يقف تمثال حلمي الرخامي المجزأ شامخًا، وتمتد أطرافه إلى تخوم النجوم السحيقة، لكنه مشدود إلى الأرض بحبال التخييل الأصيلة. تحكي كل قطعة رواية منقوشة في جدار الكون .. رواية مجردة ، تختبئ في أركان روحي المستكينة.

أنا الخبير أيها السادة بمستحضرات الاستعارات .. أنسجها من نياط قلبي الملتاع وأصباغ الوجود. يصبح العالم لوحة ، وتصبح الكلمات فراشات تتناثر عبر مساحة الإدراك اللانهائية.

استعاراتي هي الألغاز التي همس بها الحكماء القدماء، في الهند والسند والصين وعكاظ وجامع الفنا والتي تغري العقول بكشف أسرارها . إنها المفاتيح المحيرة لأبواب الفهم الموصدة التي تدعو الفضوليين إلى التلصص من باب صالة المجهول.

في ذهني، حكايا سريالية حيث الواقع والوهم يرقصان في باليه العجائبية. تدور الظلال عبر الستائر، وتلقي مشاهد من مشاعري وأحاسيسي التي تتحدى مساطر المنطق. كل سيناريوهاتي مخطوطات بلغة الحلم، حيث يخلق تركيب العقل الباطن القصيد وقافيته في كل مشهد أو حركة . كل إيماءة، كل وقفة، هي بيت شعر في معلقاتي الصامتة.

جسدي نحاتً ظلالي أنا.. أبحر في متاهات وجودي، باحثًا عن اسكتشاف ذاتي. تزدحم ممراتي بالمرايا التي تعكس حقائق مشوهة وحقائق أخرى ممزقة. ألمس سطح المرايا البارد، وأشعر بتموجات انعكاسات وجهي ، عبارة عن فسيفساء مجزأة من الهويات المتعددة التي تتجمع وتتلاشى مثل خيوط دخان.

ظلالي أفكاري أيها الفلاسفة ، مزيج من المواضعات، حيث يشترك الضوء والظلال في رقصة الجذبة الساخنة.. نحتت الإضاءات في جسد الطبيعية ، حيث تنغمر أودية الأعراس في ضوء القمر ، وتلقي قمم الفرح بظلال طويلة الأرجل من الاستبطان. لوحات مشاعري هي سيمفونية من الألوان القزحية ، كل لون يتردد مع زلازل الروح التواقة إلى التحول المستديم.

في برج عزلتي الباذخة، أتواصل مع أصداء وجودي. الصمت ورشة النحات، حيث يصبح غياب الصوت مادة خام لخلق المعنى. أقوم بنحت تماثيل تشبه عزلتي ومنفاي الجميل، وجوهها الصامتة تنقل أعماق الإيغال التي لا توصف. في السكون، أجد صدى نبضات قلبي، إيقاعًا يتردد صداه عبر أروقة الزمن.

عندما أنحت ظلال كينونتي، أصبح مسافرًا عبر الزمن، أسافر عبر عصور الذاكرة والاستشراف البعيد. كل المنحوتات وظلالها هي آثار للحظات خلوتي، منزوية في عنبر الذكريات. ألامس سطح كل منحوتة، وأشعر بنبض مشاعري الماضية، مثل أصداء كوكب بعيد تصل إلي بعد فترة طويلة من تلاشي أضوائه.

منحوتات ظلالي .. رفاقي في رحلات الروح الليلية. يقفون كحراس في حدائق الأحلام، يهمسون بأسراري للقمر والنجوم والمجرات. كل منحوتة هي فصل في كتاب وجودي، وشهادة على صمود الروح في مواجهة رمال الزمن المتقلبة باستمرار.

يا محمود درويش أنا لست لي ..

أنا لست سوى خيط في هذا النسيج الكوني، متشابك مع سدى الوجود ولحمته. منحوتاتي من الظلال هي أجزاء من النسيج الكبير، قطع من الألغاز أقوم بتجميعها مع كل لحظة عابرة.

الاستعارات هي الغرز التي تربط العناصر المتباينة في كل ذاعن وسلس، فسيفساء من المعنى في عالم ترقص فيه الفوضى والنظام في وئام أبدي.

أنا نحات ظلالي،

وحائك استعاراتي،

وحالم في ركح الضبابيات.

في كيمياء الكلمات، أقوم بتحويل معدن الرصاص إلى تبر وماس مشوب ببريق التعالي. الظلال والمنحوتات واستعاراتهما هي المراكب التي تحملني عبر عوالم الخيال اللامحدودة، حيث تتلاشى الحدود بين الواقع والخيال في مشهد من الاحتمالات والافتراضات المذهلة.

جسدي إزميل من معدن الياقوت النفيس، يصبح نحاتًا لظلاله، صانعا ماهرًا ينسج حكايات من الجوهر الجسدي والأوهام اللذيذة والمراوغة.

في فترات قيلولة ذهني، أرسم ملامح تشكلي البلوري بأصابعي المغموسة في حبر الاستبطان البنفسجي . الجسد، لوحة قماشية، يشهد على رقصة النور والظلام الرقيقة، كما لو أن جوهر وجودي هو لوحة من طراز تشياروسكورو على قماش الكون. كل منحنى وكل تجويف هو شهادة على الحوار المستمر بين الملموس والمحسوس.

أنا أيها السادة في حرم جسدي، باحث عن الأسرار الغامضة التي تهمس بها الصور الظلالية المتعرجة التي تتشبث بكل خطوة من خطواتي. تلقي ملامح جسدي بظلالها التي تتحول وتلتف حول تحولها، متحدية قوانين الفيزياء والعقل وديكتاتورية المسطرة والبركار. في مسرح وجودي، الواقع هو تمثيل صامت متغير الشكل، وأنا، الجمهور المتردد، متفرج وممثل في نفس الوقت.

تكشف شمس وعيي الذاتي عن مشهد تجريدي حيث تتلاشى الحدود بين الذات والظل في نسيج من المفارقات.

أنا النحات،

أنا الطين،

أنا الماء.

تمتد أطرافي إلى عوالم شفق اللاوعي، حيث سرياليتي هي الحقيقة الوحيدة والملموس مجرد وهم عابر.

أثناء اجتياز أروقة تشريحي، أواجه أشباح جمة من الذكريات، العالقة في تجاويف ذهني ذات الإضاءة الخافتة. كل ندبة، عبارة عن طرس منقوش عليه شعر الألم والصمود، يروي ملحمة البقاء.

جسدي، معلقة شعرية مخطوطة بماء الذهب منذ جموح الجاهلية، تنحت الهيروغليفية الخاصة بها على رق الزمن.

الظلال التي ألقيها ليست مجرد غياب للضوء، بل هي ملامح طيفية لرغباتي العميقة. ترقص في مقصورة وعيي، رقصة صامتة تعكس نشازها الجميل. في متاهة عقلي، أواجه مفارقة الرؤية والاختفاء، فما يُرى ليس دائمًا حقيقيًا، وما هو مخفي قد يكون الحقيقة الأكثر عمقًا.

يصبح ظلي رفيقًا، وصديقًا مقربًا، عندما أبحر في محيطات تعارضاتي.

أنا وعاء التوافقات والتناقضات،

وجسدي نحات ظلاله،

يشهد على التعارض الأبدي بين الوعي واللاوعي.

في ظلمة وجودي،

أنا النور الذي ينير والظلام الذي يخفي النور.

هكذا، في نسيج كينونتي، ينحت جسدي ظلاله بإزميل سالفادور دالي تارة وبيكاسو تارة أخرى، والقاسمي في غالب الأوقات .

يصنع تحفة فنية تتجاوز حدود العقل وتغامر في عالمها الجليل.

أنا الحالم أيها السادة في دنيا العبث

شاعر في أرخبيلات النثر السريالي،

وجسدي،

نحات ظلاله،

هو سفينتي التي أستكشف بها المحيطات والجزر في وجودي الملغز.


0 التعليقات: