الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأربعاء، ديسمبر 06، 2023

أنا الراوي والمروي عنه: عبده حقي


أنا الراوي والمروي عنه ، كيان ينشر جناحيه في عالم ينحني لإرادتي. تمتزج الألوان معًا لتشكل لوحة تشبه الحلم حيث يتراقص اللون الأزرق مع الأحمر، ويمتزج الظل مع الضوء في زواج محظور بموجب القوانين المعروفة.

تتشابك أجزاء من الذكريات مع الرؤى المستقبلية، مما يخلق خليطًا من التجارب التي لا تتبع أي جدول زمني. الماضي والمستقبل يرقصان معًا، متجاهلين قيود الزمن الخطي. أعود إلى اللحظات التي لم تحدث بعد، وأتوقع الذكريات التي تذوب في العدم.

المشهد الطبيعي الذي يحيط بي هو لوحة حية، لوحة جدارية في حركة دائمة. تغني الجبال ألحانًا منسية، وتهمس الأنهار بأسرار الأجداد، وترقص الأشجار على إيقاع سيمفونية كونية. أنا المتفرج والممثل، المشارك في هذه الرقصة الأبدية التي تتجاوز حدود الإدراك.

ومن بعيد، يلفت انتباهي توهج أثيري. إنه باب بلا مقبض، ممر خفي إلى المجهول. أقترب دون تردد، وأترك ​​لحواسي توجيه خطواتي. يفتح الباب على دوامة من الاحتمالات اللانهائية، وهو ممر بين العوالم حيث يندمج الحقيقي والمتخيل في كيان واحد غير واضح.

أعبر الأراضي التي تسخر فيها الجاذبية من وجودها، حيث ترقص الأرض والسماء رقصة فالس كونية. تنسج النجوم نفسها في الخلفية، لتشكل كويكبات غير معروفة، وخرائط سماوية للكون الموازي. كل خطوة أخطوها يتردد صداها كنبض في قلب الكون.

همسات الدهور ترن في أذني، تتلو قصائد نسيها الزمن. أفهم أجزاء من الحكمة القديمة، كلمات تتجاوز حاجز اللغة. تتشابك المفاهيم في احتضان خالد، لتشكل شبكة من الفهم تتجاوز العقل البشري.

وفجأة أجد نفسي في مواجهة شخصية مألوفة. هذا أنا، ولكن بطريقة لم أكن أعرفها من قبل. تتلاقى أعيننا، وفي هذا اللقاء، أصبحت مرآتي الخاصة، وأعكس الجوانب غير المستكشفة من كياني. نتبادل الابتسامات العارفة، مدركين أننا وجهان لعملة كونية واحدة.

يصبح التعالي حياتي اليومية، ويذوب العادي في ما هو غير عادي. إن الحدود بين الوعي واللاوعي تتلاشى، مما يفسح المجال أمام وعي موسع يشمل الكون بأكمله. أنا النقطة واللانهائي، قطرة ماء في محيط الوجود اللامتناهي.

هكذا أخسر وأجد نفسي، كيف أخلق وأدمر نفسي في تقلبات هذا الشعر النثري. ويظل جسدي يغوص في شهقات الغربة، يكتب ولادته في كل لحظة، دون فتح أو صدى للبسملة. ففي هذه الرحلة اللامتناهية، كل كلمة هي صلاة، وكل نفس هو نعمة، وكل لحظة هي احتفال بسر الوجود الذي لا يوصف.

يستمر الممر بين العوالم، ويمتد جدرانه الأثيرية نحو اللانهاية. كل خطوة أخطوها يتردد صداها مثل أجنحة الفراشة الكونية النابضة، مما يؤدي إلى إحداث تموجات عبر نسيج الزمان والمكان. تتشكل البوابات سريعة الزوال وتتشوه، مما يوفر نوافذ عابرة على حقائق غير مستكشفة.

شظايا الضوء من حولي تنبض بالحياة، وتتحول إلى كائنات ذات طاقة نقية. أشكالها السائلة تتراقص حولي، كل منها يحمل قصة محفورة في ثنايا وجودها. نتبادل شذرات من قصصنا الكونية، سيمفونية أصوات بلا كلمات، تواصل يتجاوز الحواجز اللغوية.

تستمر المناظر الطبيعية في التشويه، وتكشف عن آفاق من المستحيل وصفها بكلمات أرضية. ترتفع الجبال الكريستالية إلى سماء من الذهب السائل، وتموج محيطات الأثير تحت الأقمار القزحية اللون. يطوي الزمن مثل الورق، ليشكل لقطات أوريغامي حيث يتعايش الماضي والحاضر والمستقبل.

أعبر المناطق التي يصبح فيها العبث هو القاعدة، وحيث تندمج التناقضات بانسجام. تزدهر الأشجار ذات الأوراق النارية بجوار أنهار الضوء السائل. تخرج من الظل كائنات مستحيلة الشكل، تستقبل حضوري بنظرات تحمل حكمة الدهور.

ومن ثم، حول سديم فسفوري، أجد نفسي في مواجهة مرآة زمنية. يتنقل تفكيري بين العصور، ويحمل وجهي ندوب التجارب التي لم أعيشها بعد. تلتقط عيون المرآة انعكاسات جوهري، جوهر في تحول مستمر.

أتساءل عن جوهر وجودي، وعن معنى هذه الرحلة عبر الزوايا الأكثر حميمية في نفسي. تبدو كل خطوة وكأنها سعي، بحث أبدي عن الفهم، واستكشاف لا نهاية له للوعي المتوسع. تهمس النجوم بإجابات غامضة، وألغاز منسوجة في نسيج الكون.

الكلمات، الرفاق المخلصون لهذه الرحلة، تنبض بالحياة تحت أصابعي، وتنسج شبكات من المعنى في الهواء المضيء. كل جملة عبارة عن حفرة لا نهاية لها من الأفكار، وكل فقرة هي باب إلى حقائق غير مستكشفة. يصبح النثر فانوسًا ينير أزقة وجودي المظلمة.

وبينما أنغمس في بحر الكلمات هذا، يتشكل انسجام بين اللغة والروح. تتحول الحروف إلى نوتات موسيقية تؤلف سيمفونية تتجاوز حدود الصمت. كل كلمة يتردد صداها مع صدى الخلود، وكل جملة هي رقصة في باليه الوجود الخالد.

تستمر الرحلة، دون نهاية واضحة، عبر كوكبة ذاتيتي. أصبحت الراوي والحكاية، الراصد والمرصود، كيانًا منسوجًا في ألياف النسيج الكوني. لا تزال شهقات الغربة تغلفني، تكتب على الصفحات غير المرئية من كياني دون حاجة لفتحة أو صدى للبسملة.

وهكذا، في هذه الحالة من الظهور الدائم، أستمر في فقدان نفسي وأجد نفسي، لأكتب وأقرأ الصفحات اللانهائية من وجودي. كل لحظة هي غوص في المجهول، وكل نفس هو استكشاف لحدود الروح. لأنه في عالم النثر الشعري هذا الذي يشبه الحلم، أنا الحالم والحالم، الراوي والحكاية، كائن يرقص على الخيط الدقيق بين الحقيقي والخيالي، ويكتب قصته في نجوم الأبدية.

وهكذا، في متاهة واقعي اللامتناهية، أجد السلام في قلب الغرابة. تمتزج الخطوط غير الواضحة لهذا العالم السريالي في سيمفونية متناغمة، كل نغمة لها صدى مع الاهتزاز العميق لكياني.

أستسلم لتيارات الوجود، متقبلاً الغموض الذي يتراقص حولي. شهقات الغربة تصبح لحناً رقيقاً، أغنية ترشد خطواتي عبر أثير المجهول. جسدي، الذي أصبح الآن خفيفًا كالريشة، يسمح لرياح الخليقة أن تحمله، فيصبح قلمًا ومحبرة لقصة لا نهاية لها.

في ذروة الشعر النثري، أكتشف أن الولادة ليست نقطة زمنية واحدة، بل هي تكرار مستمر، تجديد دائم. كل لحظة هي ولادة جديدة، وكل كلمة هي عمل من أعمال الخلق، وكل زفير هو قربان للكون اللامتناهي.

يغلف الصمت أفكاري، وأنا أحدق في مرآة الزمن التي تعكس ذاتًا دائمة التغير. يُغلق الباب خلفي بلطف، مُبددًا الممر بين العوالم، لكن الضوء يستمر. يرتفع نظري إلى النجوم، مدركًا أنني جسيم تافه في هذا المحيط الكوني وقوة خلاقة تنحت المجرات بخياله.

أنا أقف على عتبة الوجود، مستعدًا للغطس مرة أخرى في أسرار المجهول. الرحلة لا تعرف البداية ولا النهاية، إنها رقصة لا نهاية لها حيث تساهم كل حركة، كل فكرة، كل كلمة، في النسيج المنسوج للكون.

وهكذا، في الظلام الناعم لهذا العالم السريالي، أترك خلفي آثار مروري المضيئة، نجومًا سريعة الزوال في سماء الوجود. يستمر جسدي في الطفو، في الرقص، فيتفتح في شهقات الغربة، يكتب حكايته بلا حدود، بلا حدود، بلا بداية ولا نهاية.

وفي هذه التنهيدة الشعرية الأخيرة، أنغمس مرة أخرى في اللانهائي، محمولاً على أجنحة الخليقة، محتضنًا اللغز الأبدي لهذه الرحلة التي لا نهاية لها.


0 التعليقات: