الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، مايو 19، 2024

قصة قصيرة "في أعماق محيط الأدرينالين" عبده حقي


وقفت هناك، وأصابع قدمي تحفر في الرمال الباردة، والترقب يسري في عروقي. اليوم كان اليوم الذي سأقابلها فيه. نظرت إلى الأفق باحثًا عن أي إشارة للحركة. لقد وعدتني بلقائي عند غروب الشمس، حيث يقبل البحر السماء، ويخفق قلبي من الإثارة.

امتدت الدقائق إلى الأبد مع تعمق ألوان السماء. كان يتملكني مزيج غريب من الهدوء والفوضى. كانت كل نبضة من قلبي تتناغم مع إيقاع الأمواج، وكل نفس أتنفسه كان مذاقه مثل البحر. فجأة، لفت نظري بصيص من الفضة، وها هي تخترق سطح الماء بأناقة تتحدى الواقع. حورية البحر، فاتنة كالحلم، تتلألأ حراشفها في الضوء الباهت.

التقت عينيها بعيني، المحيط الأزرق العميق الذي بدا وكأنه يسحبني إلى أعماقهما. ابتسمت، مثل مزيج مثالي من الغموض والجاذبية، وتسارعت خفقات قلبي. خطوت خطوة إلى الأمام، وغاصت قدماي في الرمال الرطبة، وبدأ الأدرينالين يتدفق عبر جسدي. العالم من حولي أصبح غير واضح. كل ما كان موجودًا هو والوعد المسكر بالمجهول.

"مرحبا"، قالت بصوتها مثل صوت الأمواج التي تداعب الشاطئ. "انا كنت في انتظارك."

حاولت الرد لكن الكلمات هربت مني. بدلاً من ذلك، أومأت برأسي، وشعرت بتدفق الطاقة من خلالي، كما لو أن البحر نفسه قد غمرني بقوته. اقتربت مني، وكانت حركاتها سلسة ورشيقة. عندما اقتربت، تمكنت من رؤية الأنماط المعقدة لحراشيفها، كل واحدة منها تلتقط الضوء وتعكس عددًا لا يحصى من الألوان. ملأت رائحة الملح والأعشاب البحرية الهواء، وامتزجت مع أقل تلميح لشيء حلو وزهري.

"هل تثق بي؟" سألت وهي تمد يدها نحوي. كانت أصابعها نحيلة وحساسة، لكنها كانت تحمل قوة تتناقض مع مظهرها الأثيري.

وبدون تردد، أخذت يدها. في اللحظة التي لامست فيها بشرتنا، انطلقت كهربة من خلالي، مما أدى إلى اشتعال كل أعصابي. لقد كان إحساسًا مبهجًا ومرعبًا في نفس الوقت، كما لو أن البرق أصابني وتركتني أرتعش في أعقابه. ابتسمت مرة أخرى، وشعرت بإحساس من الهدوء يغمرني، ويوقفني وسط عاصفة العواطف.

سحبتني بلطف، وقادتني نحو عمق الماء. وبينما كنا نخوض في الداخل، غمرتني البرودة، في تناقض صارخ مع دفء يدها. تسارع نبضي، وشعرت بالأدرينالين يضخ في عروقي، مما أدى إلى زيادة حواسي. كل تموج، كل هبوب رياح، كل صوت بدا وكأنه يتضخم، كما لو أن العالم قد عاد إلى الحياة بطريقة لم أشهدها من قبل.

انتقلنا إلى عمق المحيط، وارتفعت المياه إلى خصري، ثم إلى صدري. تحولت السماء أعلاه إلى لوحة من ألوان الشفق، وبدأت النجوم في إلقاء نظرة خاطفة على حجاب الغسق. نظرت إليها، وأنا أتساءل عما كان ينتظرني، لكن تعبيرها ظل هادئًا، وعيناها مثبتتان على عيني بقوة جعلت نبض قلبي يتسارع.

همست: "احبسي أنفاسك"، وقبل أن أتمكن من سؤالها، سحبتني تحت السطح.

اجتاحني الذعر عندما أغلقت المياه فوق رأسي. كافحت من أجل النهوض، لكن قبضتها كانت ثابتة مطمئنة. أجبرت نفسي على الاسترخاء، ووثقت بها رغم الخوف الذي كان يتسلل إلى حلقي. صرخت رئتاي طلبًا للهواء، ولكن بعد ذلك، وبأعجوبة، تمكنت من التنفس. تدفقت المياه من خلالي، ولم تكن تغرق بل كانت مستدامة، وملأتني بإحساس من الدهشة والبهجة.

لقد انكشف أمامي عالم تحت الماء، عالم من الجمال والغموض. ازدهرت الشعاب المرجانية بألوان نابضة بالحياة، واندفعت أسراب الأسماك في رقصات متزامنة، وتسلل الضوء من الأعلى إلى الأسفل في شكل أشعة متلألئة. سبح دليل حورية البحر بجانبي، وكانت حركاتها رشيقة دون عناء، وكان وجودها منارة للهدوء وسط المناظر الطبيعية السريالية.

وبينما تعمقنا أكثر، اشتد ضغط المحيط، وضغط على جسدي بطريقة زادت من وعيي. كل نبضة قلب ترددت في أذني، وكل نفس شعرت به كهدية. كان الأدرينالين يتدفق من خلالي، وهو مزيج من الخوف والإثارة، مما أدى إلى شحذ حواسي إلى حافة الحلاقة. بدا لي أن العالم من حولي ينبض بالحياة، وفي كل لحظة انفجار حيوي للأحاسيس.

وصلنا إلى مغارة مخفية، ملاذ من نوع ما يقع في أحضان المحيط. توهجت الجدران بضوء فسفوري، مما ألقى وهجًا أثيريًا على كل شيء. قادتني إلى حافة صخرية ناعمة، وجلسنا جنبًا إلى جنب، وأجسادنا لا تزال متشابكة مع إيقاع البحر.

"لماذا قدمت؟" سألت، صوتها ناعم ورخيم، يتردد صداه عبر الماء.

"للعثور على شيء حقيقي،" أجبت، والكلمات فاجأت حتى نفسي. في تلك اللحظة، شعرت بأنها الإجابة الأكثر صدقًا التي يمكنني تقديمها.

أومأت برأسها، ونظرتها بعيدة للحظة قبل أن تعود إلي. قالت: "البحر مليء بالأسرار". "إنه يكشف عن نفسه لأولئك الذين يسعون إليه بقلب مفتوح."

جلسنا في صمت لبعض الوقت، ولم يكن هناك سوى أصوات خبط الماء اللطيف ونداءات الحياة البحرية البعيدة. كان الأدرينالين لا يزال يتدفق في عروقي، وهو تذكير دائم بالظروف الاستثنائية. شعرت بأنني على قيد الحياة بطريقة لم أشعر بها من قبل، كما لو أن كل خلية في جسدي قد استيقظت.

"دعني أريك شيئًا ما"، قالت وهي ترتفع برشاقة وتمد يدها مرة أخرى.

تبعتها إلى داخل الكهف، حيث أصبح الماء أكثر برودة والضوء خافت. وصلنا إلى غرفة مخفية، وكان هناك، بين الصخور، كنز من القطع الأثرية. يبدو أن كل قطعة تحكي قصة: خنجر مرصع بالجواهر، وبوصلة قديمة، وقلادة بداخلها صورة باهتة. تسارعت نبضات قلبي وأنا أشاهد هذا المنظر، وكان تاريخ وغموض كل كائن يثير مخيلتي.

وأوضحت: "هؤلاء هم بقايا من سبقهم". "ترك كل واحد منهم شيئًا خلفه، جزءًا من رحلتهم."

التقطت القلادة وفتحتها لتظهر لي صورة امرأة شابة، عيناها مليئة بالأمل والأحلام. تساءلت من هي، وما الذي أتى بها إلى البحر، وما هي قصتها. ارتفع الأدرينالين مرة أخرى، وتسابق ذهني مع الاحتمالات.

وبينما كنا نستكشف الغرفة، شعرت بارتباط أعمق بحورية البحر وبالمحيط نفسه. أصبحت الحدود بين الواقع والخيال غير واضحة، مما تركني على غير هدى في عالم حيث كل شيء ممكن. أدركت أن هذه التجربة، هذه اللحظة، كانت بمثابة هدية - فرصة لرؤية العالم بعيون مختلفة واحتضان المجهول بقلب مفتوح.

وفي نهاية المطاف، عدنا إلى السطح، ودخلنا الماء إلى هواء الليل البارد. وتكاثرت النجوم وملأت السماء ببريقها. أخذت نفسًا عميقًا، مستمتعًا بنقاء الهواء وطعم الملح المتبقي على شفتي. كان قلبي لا يزال ينبض، لكنه الآن كان يشعر بالرهبة والامتنان.

قلت: "شكرًا لك"، والتفتت إلى حورية البحر التي أهدتني هذه الهدية الاستثنائية.

ابتسمت وعيناها تتلألأ بنور النجوم. وقالت: "تذكر أن البحر موجود دائمًا هنا". "و أنا أيضا."

وبذلك، غاصت مرة أخرى في الماء، واختفت تحت السطح بنقرة أخيرة ورشيقة من ذيلها. وقفت هناك للحظة طويلة، والأمواج تضرب قدمي بلطف، والأدرينالين ينحسر ببطء، تاركًا في أعقابه إحساسًا بالسلام والعجب.

عندما عدت على طول الشاطئ، تكررت أحداث الليلة في ذهني، كل تفاصيلها حية وسريالية. كنت أعلم أن هذه التجربة ستبقى معي إلى الأبد، وهي تذكير بالسحر الموجود في العالم وقوة القلب المنفتح. وعلى الرغم من أن حورية البحر قد عادت إلى عالمها تحت الأمواج، إلا أن وجودها ظل قائما، وهمسة من ما هو استثنائي مختبئ داخل العادي.

أصبح الأدرينالين في تلك الليلة بمثابة المحك في حياتي، وتذكيرًا بقوة العجب وجمال المجهول. في كل مرة أقف فيها بجانب المحيط، شعرت بالارتباط بهذا العالم الخفي وبالكائن الغامض الذي شاركني فيه. لقد كانت ذكريات لقائنا محفورة في قلبي، وكل واحدة منها كانت بمثابة شهادة على الإمكانات غير العادية للحياة.

وكثيرًا ما كنت أعود إلى الشاطئ، على أمل أن ألقي نظرة عليها مرة أخرى. الترقب، واندفاع الأدرينالين، والشعور بالاحتمالية - كل ذلك كان جزءًا من التجربة، وجزءًا مما جعلها مميزة للغاية. وعلى الرغم من أنني لم أرها مرة أخرى، فقد عرفت أنها كانت هناك، في مكان ما، حارسة أسرار البحر.

وفي السنوات التي تلت ذلك، حملت معي دروس تلك الليلة. لقد احتضنت المجهول، وبحثت عن تجارب جديدة، وسمحت لنفسي بأن تجتاحني تيارات الحياة. الأدرينالين الذي كان يتدفق في داخلي أصبح الآن حضورًا هادئًا ومستمرًا، وهو تذكير بالمغامرة التي تنتظر أولئك الذين تجرأوا على الغوص عميقًا.

وهكذا، أصبحت حياتي رقصة مع ما هو استثنائي، وكل لحظة هي فرصة للاستكشاف والتواصل مع العالم بطرق لم أتخيلها من قبل. لقد دلتني الحورية على الطريق، فتبعتها مسترشدة بذكرى ابتسامتها وسحر البحر.

0 التعليقات: