الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأحد، يوليو 21، 2024

الديناميكية المكثفة لدعم السيادة المغربية في الصحراء: عبده حقي


شهد العقد الماضي ارتفاعا ملحوظا في عدد الدول التي اعترفت بالسيادة المغربية على صحرائه الجنوبية. ويعود هذا التحول السياسي إلى عدة عوامل منها الجهود الدبلوماسية الحثيثة التي يبذلها المغرب حيث قام بحملات دبلوماسية واسعة النطاق لحشد الدعم الدولي لتكريس السيادة الشرعية والكاملة. ويشمل ذلك الاتفاقيات الثنائية والشراكات الاقتصادية والمساعدات الإنمائية لمختلف البلدان، وخاصة في أفريقيا.

كما أنه استثمر بشكل كبير في التنمية الاقتصادية للصحراء. وقد أدت مشاريع البنية التحتية الأساسية، مثل بناء الطرق والمطارات والموانئ، إلى تحول تنموي ملحوظ في المنطقة، مما جعلها وجهة استثمارية جذابة. وقد عززت هذه التطورات موقف المغرب وحظيت بدعم دولي لا مشروط.

في عام 2007، اقترح المغرب مخططا لمنح قدر أكبر من الحكم الذاتي لمواطنيه في الصحراء المغربية تحت سيادته . وقد تم النظر إلى هذه الخطة على نطاق واسع باعتبارها حلاً عمليًا، حيث تقدم للشعب الصحراوي درجة متقدمة من الحكم الذاتي مع الحفاظ على سلامة الأراضي المغربية كاملة. وقد تلقت خطة الحكم الذاتي التي اقترحها الملك محمد السادس ردود فعل إيجابية من مختلف البلدان والمنظمات الدولية.

وقد أثرت التغيرات في السياسة العالمية، بما في ذلك صعود القوى الاقتصادية الجديدة وتحول التحالفات، على ديناميكيات الصراع في الصحراء المغربية. وقد أعادت عشرات البلدان التي كانت تدعم جبهة البوليساريو في السابق تقييم مواقفها في ضوء هذه التغييرات.

وإذا كانت السيادة المغربية على الصحراء المغربية قد اكتسبت اعترافاً متزايداً، فقد شهد في المقابل دعم جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر تراجعاً ملحوظا. وقد ساهمت عدة عوامل في هذا التحول الواضح حيث أدى عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي في الجزائر إلى إضعاف قدرتها على دعم جبهة البوليساريو. وتحول تركيز البلاد إلى معالجة القضايا الداخلية، مما أدى إلى تقليص نفوذها في صراع الصحراء المغربية.

من جهته شهد الاتحاد الأفريقي، الذي كان في السابق عديد من أعضائه مؤيدون لجبهة البوليساريو، تغييرات في موقفه. فقد حولت الكثير من الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي دعمها إلى المغرب، متأثرة بالجهود الدبلوماسية والشراكات الاقتصادية القوية مع المغرب. في عام 2017، عاد المغرب إلى الاتحاد الأفريقي بعد غياب دام 33 عامًا، مما عزز نفوذه داخل هذه المنظمة القارية العتيدة.

وعلى المستوى الدولي فقد تطور منظور المجتمع الدولي بشأن الصراع المصطنع في الصحراء المغربية. إذ صار يُنظَر إلى مخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب باعتباره حلاً قابلاً للتطبيق، وهناك اعتراف متزايد بأن الوضع الراهن غير قابل للاستمرار. وقد أدى هذا التحول في المنظور والمواقف إلى تراجع الدعم لأجندة جبهة البوليساريو من أجل الاستقلال.

لقد أصبحت تحالفات حقبة الحرب الباردة التي كانت تحدد في السابق الدعم لجبهة البوليساريو أقل أهمية في المشهد الجيوسياسي الحالي. حيث أصبحت جميع البلدان تعطي الأولوية بشكل متزايد للمصالح الاقتصادية والاستراتيجية على التحالفات الإيديولوجية، مما أدى إلى إعادة تقييم مواقفها بشأن قضية الصحراء المغربية.

لقد لعبت مواقف الأطراف الدولية الرئيسية دورا حاسما في تغيير ديناميكيات دعم السيادة المغربية في الصحراء الجنوبية.

فالولايات المتحدة الأمريكية كانت ولاتزال حليفًا رئيسيًا للمغرب وقد دعمت خطته للحكم الذاتي للصحراء المغربية حيث في ديسمبر 2020، اعترفت رسميًا بالسيادة المغربية على الصحراء ، وهو انتصار دبلوماسي كبير للمغرب.

من جانبه اتخذ الاتحاد الأوروبي موقفاً أكثر حياداً بشكل عام بشأن الصراع في الصحراء ، حيث دعا إلى حل تفاوضي تحت رعاية الأمم المتحدة. ومع ذلك، تباينت مواقف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، حيث أبدت الكثير منها دعمها لخطة الحكم الذاتي المغربية.

وكما ذكرنا سابقًا، تطور موقف الاتحاد الأفريقي، حيث حولت العديد من الدول الأعضاء دعمها من جبهة البوليساريو إلى المغرب. ويشير هذا التحول إلى نجاح المغرب في ديناميته الدبلوماسية مع الدول الأفريقية.

الجامعة العربية كما هو معلوم دعمت إلى حد كبير المطالب الإقليمية للمغرب، مما يعكس الديناميكيات الإقليمية الأوسع والجهود الدبلوماسية المغربية داخل العالم العربي.

ويبدو أن الصراع المفتعل في الصحراء المغربية، الذي استمر لعقود من الزمن، يقترب من الحل، وذلك بسبب التطورات وبسبب الدعم الدولي المتزايد لمخطط الحكم الذاتي فقد أدى الدعم الدولي لهذا المخطط إلى خلق بيئة مواتية للتوصل إلى حل سياسي. ويُنظر إلى الخطة باعتبارها تسوية واقعية تعالج تطلعات الشعب الصحراوي مع الحفاظ على السيادة المغربية.

كما أدى تراجع الدعم لجبهة البوليساريو إلى إضعاف موقفها التفاوضي. ومع تناقص عدد الدول التي تدعم أجندتها الاستقلالية، تواجه جبهة البوليساريو ضغوطاً متزايدة للانخراط في مفاوضات ذات مغزى على أساس خطة الحكم الذاتي.

تواصل الأمم المتحدة الاضطلاع بدور حاسم في تيسير المفاوضات بين الطرفين. وقد استهدفت الجهود الأخيرة التي بذلها المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية محاولة إعادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات لمناقشة الحل السياسي.

لقد أدت معجزة التنمية الجارية في الصحراء المغربية إلى تحسين الظروف المعيشية وخلق فرص اقتصادية للشعب الصحراوي. وقد ساهمت هذه الجهود في تعزيز الشعور بالاستقرار والتقدم في المنطقة، وانكماش الحركات الانفصالية.

كما أدى تعزيز التعاون الإقليمي والدولي في القضايا الأمنية والاقتصادية إلى خلق بيئة مواتية لحل نزاع الصحراء المغربية. وقد أبرزت الجهود التعاونية لمكافحة الإرهاب وتعزيز التنمية الاقتصادية أهمية الاستقرار في المنطقة.

لقد شهدت ديناميكيات الدعم الدولي للصحراء المغربية تغيرات كبيرة في السنوات الأخيرة. فقد أدت الجهود الدبلوماسية الاستراتيجية التي يبذلها المغرب، والاستثمارات الاقتصادية، وقابلية مخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب ، إلى زيادة عدد الدول التي تعترف بالسيادة المغربية. وفي الوقت نفسه، تراجع الدعم لجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر بسبب عوامل جيوسياسية واقتصادية وداخلية مختلفة. ونتيجة لهذا، يبدو أن المشكلة السياسية الطويلة الأمد المتمثلة في صراع الصحراء المغربية باتت تقترب من الحل، حيث ينظر المجتمع الدولي بشكل متزايد إلى خطة الحكم الذاتي المغربية باعتبارها حلاً عمليًا ومستدامًا. ويعتمد مستقبل المنطقة على استمرار المشاركة الدبلوماسية، ومبادرات التنمية، واستعداد جميع الأطراف للعمل نحو حل سلمي ومقبول للطرفين.

0 التعليقات: