أصبحت ساحة المعركة الرقمية جبهة المواجهة الجديدة في الصراع الجيوسياسي طويل الأمد بين المغرب والجزائر. ومع الهجوم الإلكتروني الأخير على الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي المغربي، والذي ثبت أن مجموعة من القراصنة "هاكاز" المدعومة من الجزائر هي من نفذته، تجاوز النظام الجزائري العتبة الخطيرة - إذ تسلّح بالفضاء الإلكتروني لشن حرب سرية ضد جار لطالما عارضه من خلال التخريب السياسي وزعزعة الاستقرار الإقليمي ودعم الميليشيات الانفصالية في إفريقيا وعلى رأسها "بوليساريو".
إن هذا العمل العدواني
الأخير يكشف ليس فقط عن تهور الدولة الجزائرية العميقة، بل أيضًا عن يأسها في ظل تزايد
الشرعية والدعم الدوليين للمغرب - لا سيما في سياق نزاع الصحراء المغربية.
لم يكن الهجوم، الذي
أسفر عن تسريب وثائق حساسة على تيليجرام، مجرد خرق للأمن السيبراني - بل كان هجومًا
على كرامة واستقرار النظام الاجتماعي المغربي. في حين أكدت مؤسسة الص.و.ض ج عملية الاختراق، وأشارت إلى أن العديد من
الوثائق غير دقيقة أو مضللة، إلا أن النية الحقيقية وراء الهجوم اتضحت عندما أعلن الجناة
أنه عمل انتقامي. لقد أكدوا أنهم يردون على "مضايقات" مزعومة للجزائر على
وسائل التواصل الاجتماعي، وهي ذريعة تفوح منها رائحة الدعاية الممنهجة، لا سيما بالنظر
إلى الاستهداف الممنهج لمؤسسات الدولة، والشخصيات الهامة المسؤولين بالمملكة المغربية، وحتى
المكاتب الدبلوماسية مثل مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط.
لا لبس هناك في المصدر.
تشير وسائل الإعلام المغربية، المدعومة بتحليلات استخباراتية سيبرانية، بشكل مباشر
إلى الجزائر - ليست فقط كمصدر حاضن للقراصنة، بل كراعٍ نشط لهذه الحرب السيبرانية. إن
هذا التصعيد يتناسب مع نمط طويل الأمد من السلوك العدواني للجزائر، التي استثمر نظامها
بكثافة في أشكال مختلفة من المواجهة، من دعم جبهة البوليساريو الانفصالية إلى
إطلاق حملات تضليل إعلامي في جميع أنحاء منطقة الساحل وشمال أفريقيا.
في الواقع، إن توقيت
الهجوم يدل على الكثير من الأشياء . يأتي هذا في أعقاب تأييد قوي من وزير الخارجية
الأمريكي ماركو روبيو لخطة الحكم الذاتي المغربي للصحراء، وهي خطوة أزعجت الجزائر بشدة
وكشفت عن حدود عزلتها الدبلوماسية. وعجزت الجزائر عن مواجهة المغرب دبلوماسيًا أو اقتصاديًا،
فلجأت إلى مسرح الحرب الإلكترونية الغامض الذي يسهل إنكاره، على أمل نشر الفوضى وإظهار
قوتها دون محاسبة.
ومع ذلك، إذا كان الهجوم
يهدف إلى زعزعة استقرار المؤسسات المغربية أو كسر الثقة الداخلية، فقد فشل. إن استجابة
المغرب المدروسة والاستراتيجيّة تُعدّ درسًا في فنّ إدارة الدولة. فبدلًا من اللجوء
إلى هجمات إلكترونية انتقامية من شأنها تصعيد الصراع، شددت الرباط على الشفافية واللجوء
إلى القانون. وقد سارعت اللجنة الوطنية لحماية البيانات الشخصية إلى تقديم حلول للمتضررين،
مؤكدةً التزام البلاد بسيادة القانون حتى في مواجهة العدوان الرقمي.
وما يبرز هو صمود المغرب
وسعيه الدؤوب نحو الشرعية على الساحة العالمية. باختياره الاستجابة المؤسسية بدلًا
من الفوضى، حافظ المغرب على مصداقيته الدولية وعزز موقفه كدولة حديثة ومسؤولة. في المقابل،
تبدو الجزائر عالقة في عقلية الحرب الباردة، محاصرة بتصلبها الأيديولوجي وخوفها من
نفوذ المغرب المتزايد.
بالنظر إلى المستقبل،
من غير المرجح أن تكون هذه الحرب الإلكترونية حادثًا منفردًا. فمع استمرار المغرب في
تأمين تحالفات دولية رفيعة المستوى - سواء مع الولايات المتحدة أو إسرائيل أو دول الخليج
أو الشركاء الأفارقة - من المنطقي توقع تزايد التوغلات الرقمية العدائية من
الجزائر. قد تستهدف هذه الهجمات البنية التحتية العامة أو وسائل الإعلام أو الاتصالات
الدبلوماسية أو البيانات الاقتصادية. لكنها أيضًا تُعرّض الجزائر لتدقيق وازمة دولية متزايدة.
في عصر يُنظر فيه بشكل متزايد إلى العدوان الإلكتروني على أنه شكل من أشكال الإرهاب
الذي ترعاه الدولة، قد تأتي أفعال الجزائر بنتائج عكسية في نهاية المطاف، مما يؤدي
إلى عقوبات أو عزلة دبلوماسية.
هل يستطيع المغرب كسب
هذه المعركة الإلكترونية؟. يستثمر المغرب بالفعل في البنية التحتية الوطنية
للأمن السيبراني والتعاون الإقليمي من خلال منتديات مثل الاتحاد الأفريقي واتفاقيات
الأمن السيبراني مع حلفائه الغربيين. كما يستفيد من جيل شاب ذي خبرة تقنية واقتصاد
رقمي مزدهر - وهي وسائل يمكن أن تحول المغرب من هدف سيبراني
إلى قائد سيبراني في المنطقة.
والأهم من ذلك، يجب على المغرب الاستمرار في تصوير هذه الهجمات ليس كأحداث تقنية معزولة، بل كجزء من سياسة جزائرية أوسع نطاقًا لزعزعة الاستقرار الإقليمي. يجب إطلاع الحلفاء الدوليين على النطاق الواسع للتدخل الجزائري - ليس فقط في الفضاء الإلكتروني، ولكن أيضًا في دعم الانفصالية، وتمويل التضليل، ومبادرات فتنة متعارضة في شمال أفريقيا.
تكمن أعظم قوةٍ للمغرب
في مكانته الأخلاقية الرفيعة وتحالفاته المتنامية. أما الجزائر، بدعمها المتهور للحرب
السيبرانية، فتُغرق نفسها في هوةٍ من العار والخذلان الدولي.
إن المغرب
ثابتٌ على موقفه، ليس بجدران الحماية فحسب، بل بالحكمة والنظام القانوني ورؤيةٍ للسلام
في منطقةٍ غالبًا ما تُسمّمها المرارة الأيديولوجية. هذه حربٌ لا يستطيع المغرب كسبها
فحسب، بل يكسبها بالفعل في القلوب والمؤسسات والرأي العام العالمي.
0 التعليقات:
إرسال تعليق