خلال الاحتفال في مقر مايكروسوفت في ريدموند، واشنطن، سادت أجواء من الترقب حيث اجتمعت شخصيات بارزة في هذا القطاع، بمن فيهم المؤسس المشارك بيل غيتس والرئيس التنفيذي السابق ستيف بالمر، للاحتفال بنصف قرن من الابتكار. إلا أن الحدث اتخذ منعطفًا غير متوقع عندما قاطعت ابتهال أبو سعد، مهندسة البرمجيات في قسم الذكاء الاصطناعي في مايكروسوفت، عرض الرئيس التنفيذي للذكاء الاصطناعي مصطفى سليمان بصوت عالٍ. واتهمت صرختها الحماسية الشركة بتسهيل العنف من خلال تعاونها التكنولوجي مع الجيش الإسرائيلي. لم يكن احتجاج المهندسة أبو سعد حادثًا معزولًا؛ كان ذلك رمزًا لاستياءٍ على أوسع نطاقً ومتصاعدًا بين الموظفين بشأن التداعيات الأخلاقية لعقود مايكروسوفت الدفاعية.
يكمن جوهر شكوى أبو
سعد في الاستخدام المزعوم لنماذج الذكاء الاصطناعي من مايكروسوفت من قِبل جيش الدفاع
الإسرائيلي لتحديد أهداف القصف في غزة ولبنان. وقد أثار هذا التعاون، كما ذكرت وكالة
أسوشيتد برس، تساؤلاتٍ أخلاقيةً عميقةً حول دور الذكاء الاصطناعي في الحروب الحديثة
ومسؤوليات شركات التكنولوجيا العملاقة في مثل هذه الاشتباكات. إن استخدام الذكاء الاصطناعي
في العمليات العسكرية ليس مجرد تعزيز تقني؛ بل يمثل نقلة نوعية في إدارة الحرب، حيث
يمكن للخوارزميات أن تُملي قراراتٍ مصيرية.
تُعدّ قضية مايكروسوفت
مؤثرة بشكل خاص نظرًا لالتزامها العلني بمبادئ الذكاء الاصطناعي الأخلاقية. يؤكد الموقف
الرسمي للشركة على الشفافية والإنصاف والمساءلة في نشر الذكاء الاصطناعي. ومع ذلك،
يبدو أن التعاون المزعوم مع جيش الدفاع الإسرائيلي يتعارض مع هذه المبادئ، لا سيما
في ضوء التقارير التي تشير إلى خسائر بشرية كبيرة في صفوف المدنيين نتيجة العمليات
العسكرية بمساعدة الذكاء الاصطناعي. أفادت وزارة الصحة في غزة بمقتل أكثر من ٥٠ ألف
فلسطيني منذ بدء الصراع في أكتوبر 2023، وهو رقم يُبرز التكلفة البشرية الباهظة للأعمال
العدائية.
يشير الخلاف الداخلي
داخل مايكروسوفت إلى حركة أوسع نطاقًا بين موظفي التكنولوجيا تطالب بالمساءلة الأخلاقية.
على سبيل المثال، حظيت حملة "لا تكنولوجيا للفصل العنصري" بدعم آلاف العاملين
في مجال التكنولوجيا المطالبين بإنهاء العقود التي يرون أنها تساهم في انتهاكات حقوق
الإنسان. يعكس هذا النشاط تحولًا في توقعات الموظفين، حيث يسعى العمال إلى المواءمة
بين قيمهم الشخصية وممارسات العمل لدى أصحاب العمل.
ردًا على الاحتجاجات،
أكَّد بيان مايكروسوفت التزام الشركة بتوفير سُبُلٍ لسماع أصوات الموظفين دون التسبب
في اضطرابات في الأعمال. ورغم أن هذا الرد يُقرُّ بالاحتجاجات، إلا أنه لا يُعالج المخاوف
الأخلاقية الجوهرية المُثارة. ويُسلِّط الضوء على تحدٍّ مُتكرر في حوكمة الشركات: الموازنة
بين مصالح الأعمال والاعتبارات الأخلاقية ومناصرة حقوق الموظفين.
في الختام، يُجسّد
تعطيل الذكرى الخمسين لتأسيس مايكروسوفت بسبب الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين التفاعلَ
المعقد بين التكنولوجيا والأخلاقيات والاعتبارات الجيوسياسية. ويُؤكد ذلك على ضرورة
قيام شركات التكنولوجيا بتقييم التزاماتها تقييمًا نقديًا، لا سيما تلك التي لها آثار
إنسانية عميقة. ومع استمرار تطور هذا القطاع، سيكون تعزيز ثقافة التأمل الأخلاقي والمساءلة
أمرًا بالغ الأهمية لمواجهة التحديات والمسؤوليات التي تصاحب التقدم التكنولوجي.
0 التعليقات:
إرسال تعليق