الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الخميس، سبتمبر 25، 2025

" رباعيات لا يعبرها الفهم" (18) شعر عبده حقي


1

أحمل حقيبتي كمن يحمل وطنًا صغيرًا،

بين طيات القماش صورٌ لم تلتقطها الكاميرات،

وجواز سفر يشبه ورقة خريفية تتنقل مع الريح،

وأنا أقول: "هل الطريق يعترف بي؟"

2

أمريكا بعيدة كأحلام الطفولة،

قريبة كهمسة في ليلٍ لا يعرف النوم،

أمدّ يدي نحو المحيط وكأني أمدّها نحو المعجزة،

ثم أسأل: "أي معجزة تقبل ثمن غربتي؟"

3

أمشي في المطارات كأني أمشي في أسئلة،

كل بابٍ يفتح على مجهول،

كل وجهٍ يعكس ملامحي الممزقة،

وأنا أبحث عن نفسي في طوابير الانتظار.

4

السماء فوق المحيط تتسع أكثر من صدر أمي،

لكنها باردة كغرفةٍ بلا صور،

أغني بصوتٍ خافت حتى لا أسمع خوفي،

وأعدّ الغيوم كي لا أعدّ سنواتي.

5

أمريكا، يا مرآة العالم،

هل سترينني كما أنا،

أم ستعيدين تشكيل وجهي

كما يشكّل البحر حجراً من الطين؟

6

أترك اسمي خلفي كظلٍّ لا يتبعني،

وأدخل إلى المدن كالريح، بلا جذور،

أتعلّم أن أقول "مرحباً" بلغتهم،

لكن قلبي يردّد "السلام عليكم".

7

في نيويورك، السماء ناطحةُ سحاب،

لا ترى العصافير، بل تسمع صفير القطارات،

أمشي في الزحام كذرةٍ لا مرئية،

وأتذكر قريتي التي لا يمر فيها سوى الصمت.

8

الغربة ليست حدودًا على الخريطة،

إنها مرآة تكسرني كل صباح،

أحاول أن أرمم وجهي بكلماتٍ جديدة،

لكن اللكنة تفضحني مثل جرحٍ لم يندمل.

9

أكتب رسالةً لأمي ولا أرسلها،

أخشى أن تصل الرسالة بعدي،

فأكون أنا الغائب والحروف شاهدة،

كأن الغربة محكمة وأنا متهم بالغياب.

10

أقول: الهجرة ليست خلاصًا،

إنها امتحان آخر للروح،

من يعبر المحيط لا يعبر وحده،

بل يحمل على كتفيه تاريخًا من الأسئلة.

0 التعليقات: