الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الاثنين، سبتمبر 08، 2025

تبون وإفريقيا: بين طموح الطيران وواقع العزلة السياسية: عبده حقي

 


في تصريح جديد أعاد إلى الواجهة طبيعة التحركات الجزائرية في القارة الإفريقية، عبّر الرئيس عبد المجيد تبون عن رغبته في رؤية طائرات الخطوط الجوية الجزائرية تحطّ في مطار نجامينا عاصمة تشاد، معتبراً أن الأمر ليس مجرد فتح خط جوي جديد، بل خطوة "استراتيجية" لإحياء الحضور الجزائري في إفريقيا. لكن خلف هذه العبارات الرسمية تختبئ دلالات سياسية واقتصادية أعمق، تكشف عن محاولة متأخرة لاستعادة نفوذ مفقود.

منذ الاستقلال، استخدمت الجزائر خطاب "التضامن الإفريقي" كأداة لتثبيت حضورها جنوب الصحراء. غير أن هذا الحضور تآكل بفعل الأزمات الداخلية، وانشغال السلطة بصراعاتها البنيوية. اليوم، يسعى تبون لإعادة بعث تلك الصورة عبر الطيران المدني، كأن الطائرات يمكنها أن تعيد الاعتبار لسياسة خارجية مرتبكة. الحديث عن "انفتاح" عبر خطوط جوية نحو نجامينا أو غيرها يبدو أقرب إلى محاولة رمزية لتدارك فقدان المبادرة أمام حضور مغربي واسع ومؤسساتي في غرب ووسط إفريقيا.

المفارقة أن الجزائر تطمح إلى لعب دور اقتصادي في القارة بينما تعاني شركة الخطوط الجوية الجزائرية من أزمة مالية خانقة، أسطولها محدود وقدرتها التنافسية شبه منعدمة أمام شركات إفريقية صاعدة أو أمام الهيمنة المغربية من خلال "الخطوط الملكية المغربية" التي تمتلك شبكة واسعة تربط العواصم الإفريقية بأوروبا وأميركا. فكيف يمكن لجزائر مأزومة اقتصادياً، ومكبلة بانخفاض مداخيل النفط والغاز، أن تحوّل الطيران المدني إلى أداة نفوذ؟

حين يتحدث تبون عن نجامينا، يضع نفسه تلقائياً في مقارنة مع المغرب الذي أسّس منذ عقدين حضوراً قوياً في إفريقيا: استثمارات في البنوك، الاتصالات، الزراعة، الطاقات المتجددة، إضافة إلى شبكة خطوط جوية واسعة جعلت الدار البيضاء مركز عبور استراتيجي نحو القارة. المغرب لا يكتفي بفتح خطوط طيران، بل يبني شراكات اقتصادية وثقافية ودبلوماسية متكاملة. في المقابل، تبقى المبادرة الجزائرية مجرد إعلان بروتوكولي بلا عمق استراتيجي.

المشهد يكشف تناقضاً صارخاً: من جهة، خطاب سياسي يرفع شعارات "العودة إلى إفريقيا"، ومن جهة أخرى، واقع يفرض الاعتراف بتراجع الدور الجزائري لصالح قوى أكثر ديناميكية وعلى رأسها المغرب. فتح خط جوي نحو نجامينا قد يُسوَّق داخلياً كإنجاز، لكنه خارجياً لا يعدو كونه مؤشراً على عزلة سياسية تحاول الجزائر كسرها بوسائل رمزية.

خطاب تبون حول "أجنحة الجزائر في إفريقيا" ليس سوى انعكاس لأزمة داخلية تبحث عن متنفس خارجي. الطيران لن يعيد للجزائر نفوذاً فقدته، ما لم تُصلح منظومتها السياسية والاقتصادية أولاً. وبينما يستمر المغرب في بناء حضور متكامل ومتجذر في القارة، تبقى الجزائر حبيسة الشعارات، كمن يريد أن يحوّل الطائرة إلى قاطرة دبلوماسية، بينما الوقود الحقيقي للنهوض مفقود في الداخل.


0 التعليقات: