منذ أن شاهدت الفيديو المعنون بـ "Digital Poetry: Fusion of Technology and Literary Creativity"، شعرت أنني أقف أمام عتبة جديدة من التعبير الشعري، حيث لم يعد الشعر مجرد كلمات مطبوعة على الورق، بل أصبح فضاءً رقمياً يتنفس بالحركة، بالصوت، وبالتفاعلية.
لقد أيقنت أن الشعر الرقمي هو امتداد طبيعي لمسار التجريب الذي عرفه الأدب عبر العصور. فهو يفتح الباب أمام القصيدة كي تتحول إلى موقع إلكتروني تفاعلي، أو مشهد بصري متحرك، أو حتى تجربة افتراضية ثلاثية الأبعاد. هنا يصبح النص كائناً متجدداً، يتغير مع كل قراءة، وقد يشارك القارئ نفسه في صياغته.
حين أمعنت النظر في
هذا الحقل، وجدته امتداداً لتيارات شعرية سبقتنا مثل الشعر الحروفي (Lettrism) والشعر البصري والكونكريتي. لكنه في صورته الرقمية
يتغذى من برمجة الحاسوب، من العشوائية الخلّاقة، ومن التفاعل المباشر مع القارئ. إنني
أرى فيه ثورة صامتة تعيد صياغة علاقة الكاتب بالقارئ، وتجعل من القصيدة جسداً حياً
يتغير مع كل تفاعل جديد.
ككاتب مغربي، أجد في
الشعر الرقمي فرصة هائلة لتوسيع أدواتي التعبيرية. يمكنني أن أزاوج بين النصوص والصور
والأصوات، وأن أخلق قصائد تتحرك وتتنفس على الشاشة، قصائد لا تكتفي بأن تُقرأ، بل تُرى
وتُسمع وتُلمس. هنا يصبح القارئ شريكاً في العملية الإبداعية، وليس مجرد متلقٍ سلبي.
لقد دفعتني هذه التجربة
إلى البحث عن نماذج بارزة في هذا المجال، مثل عمل
Lexia to Perplexia لتالان ميموت، الذي يمزج بين السرد والبرمجة،
أو تجارب ماريا مينثيا التي استعملت أصوات الطيور والنصوص المرئية في شعرها الرقمي،
وكذلك أعمال الفنانة اليابانية ني_كا التي أدخلت الرموز التعبيرية والواقع المعزز في
بناء القصيدة. كل هذه النماذج تؤكد أن الشعر الرقمي ليس نزوة عابرة، بل هو فن متكامل
يرسخ مكانته يوماً بعد يوم.
أشعر أنني مدعو إلى
خوض هذه المغامرة الإبداعية، إلى أن أكتب قصيدة يمكن للقارئ أن يغيّر مسارها بنقرة،
أو أن يخلق نسخة جديدة منها بمجرد إعادة تحميل الصفحة. أؤمن أن هذا النوع من الشعر
يتيح لي الوصول إلى قراء عالميين، حيث يتخطى حدود الورق واللغة، ويجعل القصيدة كونية
في حضورها ورؤيتها.
إن الشعر الرقمي بالنسبة
لي هو ولادة شعرية جديدة، ولادة قصيدة لا تعرف السكون. قصيدة تتحرك في فضاء الإنترنت
مثل كائن حي، تتنفس بروح القارئ، وتتشكل من انصهار الكلمة بالصورة بالصوت. ومن هنا
أرى أن المستقبل الأدبي لن يكون إلا حواراً بين الشعر والتكنولوجيا، بين النص والآلة،
بين الإنسان والفضاء الرقمي.
0 التعليقات:
إرسال تعليق