الفصـــل 25 من دستور المملكة : حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها. حرية الإبداع والنشر والعرض في المجالات الأدبية والفنية والبحت العلمي, والتقني مضمونة.


الأربعاء، سبتمبر 03، 2025

"نهاية الأدب أم إعادة اختراعه؟ قراءة في تحولات الكتابة المعاصرة عند أوريلي أدلر"


1. السياق والمقاربة النظرية

تؤكد المؤلفة أن موضوع "انحطاط الأدب" ليس جديدًا في الفكر الغربي، بل هو سؤال ظل يتردد منذ العصور الكلاسيكية مرورًا بعصور الحداثة وما بعدها. فبين جُفنال وبلانشوط ومالارمي وآخرين، يتكرر الإحساس بأن الأدب في أزمة أو على حافة نهايته. غير

أن هدف هذه الدراسة ليس إعادة سرد تلك المقولات بل توظيفها في قراءة نقدية لأعمال أربعة كتّاب معاصرين هم: بيير ميشون، بيير بيرجونيو، آني إرنُو، وفرنسوا بُون.

2.  ثلاثة أركان فكرية لموضوع الانحطاط

أ. الأدب في ظل الديمقراطية والقيم النيوليبرالية

يُوجَّه النقد هنا إلى أثر الديمقراطية في تسطيح الخطاب الأدبي، إذ يُقال إنها جردت الأدب من هالته ومنحت الأولوية للثقافة الجماهيرية والمنتجات الإعلامية. يرى بعض النقاد أن استقلال الأدب عن العالم يجعله في عزلة قاتلة، إذ يتحول الكاتب إلى مجرد صدى غامض بلا تأثير مباشر. هذا التصور يرتبط أيضًا بالمنافسة الحادة مع الإعلام المعاصر الذي يستهلك المعنى ويعيد إنتاجه في صور سريعة وعابرة.

ب. ضمور الشكل السردي

يُشار كذلك إلى تقلّص أشكال السرد التقليدي، خصوصًا الرواية، حيث يطرح السؤال عما إذا كان تراجعها علامة على استسلام الأدب للانحطاط، أم محاولة لإعادة رسم حدود جديدة للخيال الأدبي. في هذه النقطة يتقاطع النقاش مع تجارب ما بعد الحداثة التي دفعت نحو كسر القوالب وبناء أشكال سردية هجينة.

ج. الحتمية الذاتية والموت الداخلي للأدب

يذهب بعض المفكرين إلى أن في جوهر الأدب طبيعة تميل إلى التلاشي الذاتي، وأن أصالته الحقيقية تكمن في قدرته على مواجهة حدوده، بل وعلى استثمار فكرة الموت الرمزي نفسه. هذه الفكرة، المستوحاة من فلسفة هايدغر وبلانشوط، تظهر في كتابات بعض المعاصرين حيث يصبح الفشل والانكسار والمحو عناصر بنائية داخل النص الأدبي.

3.  الأدباء الأربعة: إعادة بناء من خلال الأطلال

بيير ميشون – اللغة الممزقة وصوت الأب الغائب

في نصوصه يظهر الأدب وكأنه على تماس دائم مع الاندثار، إذ يرفع ميشون راية اللغة السامية ثم يعمل على تمزيقها بالسخرية والتكسير. لغته تقوم على التشظي والتعدد، وتُبرز صورة "الأب المنقضّ" الذي يظل حاضرًا بغيابه. بهذا المعنى تتحول الأصالة الأدبية إلى ثمرة للتصدع نفسه.

بيير بيرجونيو – الحنين إلى الجذور

أعماله تستعيد التاريخ الريفي الفرنسي كملاذ ضد فقدان المعنى في العصر الحديث. يرى أن الفردية المعاصرة رغم تقدمها تزيح التقاليد الغنية في اللغة والسرد، لكنه يتشبث بالماضي كمصدر لاستمرار الأدب. هذا الحنين لا يُقرأ كتراجع بل كبحث عن قوة جديدة تنبع من الجذور.

آني إرنُو – الحياد السردي والذاكرة الجماعية

في كتابها "السنوات" تقدم كتابة حيادية بلغة متكررة تعكس الزمن والتغيرات الاجتماعية عبر سرد ذاتي–جماعي. هي لا تكتب سيرتها وحدها بل سيرة جيل بأكمله، محوّلة الذاكرة الفردية إلى ذاكرة مشتركة. هنا يُصبح استدعاء التفاصيل الصغيرة مقاومة للنسيان الجماعي ومحاولة لإعطاء الأدب وظيفة اجتماعية.

فرنسوا بون – الأدب الرقمي

يمثل انتقال الأدب إلى الفضاء الرقمي حيث يدير مدونات ومنصات للنشر المستقل. يدمج بين الكتابة والنشر والتقنية، ليؤسس فضاءً أدبيًا خارج مؤسسات الطباعة التقليدية. هذه التجربة تحمل طابعًا مزدوجًا: فهي من جهة مقاومة مؤسسية، ومن جهة أخرى قد تثير التساؤل حول التوازن بين الاستقلال الفني والبعد التجاري الرقمي.

4.  خلاصة تحليلية

ينتهي التحليل إلى أن الحديث عن "نهاية الأدب" لا يعني موته، بل يشير إلى تحوّل في أشكاله وأدواره. فالأدباء الأربعة يعيدون تشكيل الأدب من أطلاله بطرق مختلفة:

ميشون يمزق اللغة ليعيد خلق صوت جديد.

بيرجونيو يعود إلى الماضي ليجعل منه قاعدة للاستمرار.

إرنُو تحوّل الذاكرة الشخصية إلى أداة مقاومة للنسيان.

بون يبتكر فضاءات رقمية بديلة للنشر والكتابة.

بهذا المعنى، فإن ما يبدو نهاية هو في الواقع بداية لإعادة اختراع الأدب، حيث يتوزع وجوده بين الورق والشاشة، بين اللغة العالية واللغة الجماعية، وبين الماضي المتجذر والمستقبل الرقمي.

0 التعليقات: