شهد المغرب مؤخراً واحدة من أبشع الجرائم التي صدمت الرأي العام، بعد الكشف عن قضية زنا محارم ارتكبها رجل ستيني في منطقة عين عودة ضواحي الرباط. القضية التي أحيلت على أنظار النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بالرباط، فتحت جرحاً غائراً داخل المجتمع، حيث تحوّل النقاش من تفاصيل الواقعة إلى مساءلة عميقة للبنية الأسرية، والسياسات الجنائية، والممارسات الاجتماعية المرتبطة بالصمت والخوف من الفضيحة.
وفق المعطيات المتداولة،
فقد تورط المتهم في الاعتداء على قاصر يُعتقد أنها ابنته أو ابنة زوجته، وهو ما استدعى
إحالة الملف إلى قاضي التحقيق لمتابعة التهم الثقيلة. القضية لم تكن حدثاً عابراً،
بل أثارت نقاشاً مجتمعياً واسعاً، خصوصاً مع تداول مقاطع عبر منصات التواصل الاجتماعي
وعناوين إخبارية لافتة مثل: "جريمة زنا المحارم تهز المغرب… فما القصة؟"،
الأمر الذي جعلها قضية رأي عام بامتياز.
تفاعل المغاربة مع
القضية لم يقتصر على الإدانة الأخلاقية، بل تطور إلى دعوات حقوقية تطالب بتشديد العقوبات،
وتوفير برامج للدعم النفسي والاجتماعي للضحايا، وتوسيع حملات التوعية بخطورة الجرائم
الجنسية داخل الأسرة. غير أن عدداً من الفاعلين شددوا على أن القانون وحده لا يكفي،
ما لم ترافقه سياسات شاملة لإعادة الاعتبار للضحايا وكسر جدار الصمت الذي يحمي الجناة
غالباً.
أبعاد مقارنة عربية
مصر: صدمة القضايا
المتكررة
في مصر، اهتز الرأي
العام في السنوات الأخيرة على وقع قضايا مشابهة، أبرزها ما عرف إعلامياً بـ"سفاح
المحلة"، حيث كشفت التحقيقات عن اعتداء أب على بناته لسنوات طويلة. ورغم تشديد
القضاء المصري في بعض الحالات، إلا أن هذه القضايا كثيراً ما تُقابل بالصمت داخل الأسر
خوفاً من الفضيحة، ما يجعل الضحايا محاصرين بين جدران العائلة والمجتمع.
الأردن: بين التابوهات
والقانون
في الأردن، أثارت قضايا
مشابهة سجالات حول التربية الجنسية وجرائم الشرف. فبينما تعاقب القوانين الأردنية بصرامة
على زنا المحارم، تظل ثقافة التابو حاجزاً أمام الكشف المبكر عن هذه الجرائم. جمعيات
نسائية أردنية طالبت مراراً بإنشاء خطوط هاتفية آمنة للضحايا، بعيداً عن رقابة العائلة،
حتى يتمكنوا من التبليغ دون خوف.
الجزائر وتونس: التشابه
والاختلاف
في الجزائر، تم الكشف
في عام 2019 عن قضية هزت مدينة وهران، بعد اغتصاب أب لابنته القاصر لسنوات. ورغم الإدانة
القضائية، فإن التعاطي الإعلامي كان حذراً بسبب حساسية الموضوع. أما في تونس، فقد عرفت
البلاد حالة مشابهة سنة 2021 في ولاية القصرين، حيث تورط أب في الاعتداء على ابنته
القاصر. الجمعيات الحقوقية التونسية استثمرت الحدث للدفع نحو إصلاح قانوني يربط بين
جرائم العنف الأسري والزنا بالمحارم، مطالبة بتوسيع نطاق التجريم وتشديد العقوبات.
دلالات المقارنة
تُظهر هذه الحالات
في المغرب ومصر والأردن والجزائر وتونس أن زنا المحارم ليس ظاهرة محصورة في بلد واحد،
بل هو جرح إنساني واجتماعي ممتد عبر العالم العربي. غير أن طريقة التعاطي تختلف من
بلد لآخر:
في المغرب وتونس، هناك
ميل متزايد نحو تحويل القضايا إلى قضايا رأي عام لكسر حاجز الصمت.
في مصر والجزائر، ما
زالت الجرائم تصطدم أحياناً بغياب التبليغ الفوري بسبب الخوف من الوصمة العائلية.
في الأردن، برزت مبادرات
لتوفير خطوط آمنة للتبليغ، وهو توجه يُنظر إليه كخطوة متقدمة في حماية الضحايا.
الحاجة إلى إصلاح شامل
ما يجمع بين هذه التجارب
أن القانون وحده غير كافٍ لمواجهة الجريمة، ما لم ترافقه سياسات للتربية الجنسية، ودعم
نفسي للضحايا، وآليات حماية فاعلة. فالصمت العائلي والعار الاجتماعي يظلان الحاضنة
الأولى لهذه الجرائم، بينما يحتاج الضحايا إلى فضاءات آمنة تمنحهم الثقة للبوح والنجاة.
خاتمة
القضية المغربية الأخيرة
أعادت فتح النقاش حول الجرائم المسكوت عنها داخل الأسر العربية. ومن المغرب إلى مصر
والأردن وتونس والجزائر، تتشابه المأساة وتختلف آليات المواجهة، لكن القاسم المشترك
يظل هو الحاجة الملحة إلى مجتمع يعترف بجرائمه الداخلية قبل أن يدينها، ويمنح للضحايا
صوتاً قبل أن يُحاصرهم بالصمت والعار.
0 التعليقات:
إرسال تعليق