في حوار حديث نقلته صحيفة "الرقميات" Les Numériques، قدّم سام ألتمان، المدير التنفيذي لشركة OpenAI، قراءة صريحة لمكانة الذكاء الاصطناعي اليوم، خاصة بعد إطلاق نسخة GPT-5. ألتمان لم يتردد في الاعتراف بأن هذا الجيل من النماذج للغوية بات "أذكى منه" في جوانب عديدة، لكنّه شدّد في المقابل على أنّ هناك مهارة إنسانية أساسية ستظل عصيّة على أي آلة: التعاطف الحقيقي والقدرة على الاهتمام الصادق بالآخرين.
ألتمان أوضح أنّ
40% من المهام التي يقوم بها الإنسان حالياً يمكن أن تتحول تدريجياً إلى مهام تنفذها
الخوارزميات والأنظمة الذكية. غير أنّ هذه النسبة لا تعني بالضرورة زوال المهن البشرية،
بل إعادة توزيع الأدوار بحيث تتولى الآلة الأعمال المتكررة أو التقنية، بينما يحتفظ
الإنسان بميزة الفهم الحدسي والتواصل العاطفي.
وبحسب ألتمان، فإنّ
الذكاء الاصطناعي قادر على معالجة النصوص والصور والبيانات المعقّدة بشكل أسرع وأكثر
دقّة من الإنسان، لكنه يبقى عاجزاً عن إدراك ما يريده الآخرون من دون أن يصرّحوا بذلك،
أو عن استباق مشاعرهم واحتياجاتهم غير المعلنة. هذا الجانب غير القابل للبرمجة يظلّ،
في رأيه، هو الخط الفاصل بين العقل الاصطناعي والعقل البشري.
تصريحات ألتمان تضع
النقاش في إطار فلسفي بقدر ما هو تقني. فالذكاء الاصطناعي قد ينجح في محاكاة التعاطف
عبر الردود المناسبة أو التفاعل اللغوي الموزون، لكنه لا يملك القدرة على "الإحساس"
بالآخر. الفارق هنا جوهري بين تقليد الاستجابة الإنسانية وبين عيش التجربة الشعورية
ذاتها.
ويُدرك ألتمان أنّ
الإصرار على هذه الفجوة يمنح البشرية نوعاً من الاطمئنان، فالتطور السريع للتقنيات
يثير مخاوف مشروعة من إمكانية تجاوز الإنسان أو إلغائه من معادلة المستقبل. لكن التأكيد
على بقاء "الحدس العاطفي" حكراً على الإنسان يعيد صياغة العلاقة بين الطرفين:
الآلة كأداة، والإنسان كذات فاعلة.
من زاوية أخرى، تشي
هذه التصريحات بوعي استراتيجي. فهي محاولة لموازنة الخطاب بين الانبهار بالمنجز التقني
والحفاظ على قيمة الإنسان في زمن تهدد فيه الأتمتة الكثير من الوظائف. ألتمان لا ينكر
أنّ الاعتماد على الذكاء الاصطناعي سيتوسع، لكنه يحذر من أن ترك الآلة تحل محلنا في
كل ما يتصل بالعلاقات الإنسانية سيؤدي إلى فقدان جوهر الحياة المشتركة.
قراءة نقدية
غير أنّ ما يقوله ألتمان
ليس خالياً من الإشكاليات. فالخط الفاصل بين "المحاكاة" و"الوعي"
قد يصبح أقل وضوحاً مع تطور الأنظمة. فالآلة قد لا تشعر، لكنها قادرة على تقديم أداء
مقنع لدرجة يصعب معها التمييز بين التعاطف المبرمج والتعاطف الأصيل. وهنا يبرز سؤال
فلسفي عميق: هل القيمة في الشعور ذاته أم في أثره العملي على الآخرين؟
يبقى خطاب سام ألتمان
محاولة لرسم حدود جديدة بين الإنسان والآلة، حدود تتغير باستمرار مع كل تطور تقني.
وإذا كان الذكاء الاصطناعي قد أثبت بالفعل تفوقه في معالجة البيانات والمهام التقنية،
فإنّ مستقبل العلاقة معه سيظل مرهوناً بقدرة البشر على الحفاظ على إنسانيتهم، فضلاً
عن وعيهم النقدي تجاه ما يمكن للآلة فعله وما يتعذر عليها تجاوزه.
0 التعليقات:
إرسال تعليق