شهد شهر سبتمبر 2025 زخماً سياسياً لافتاً فيما يخص قضية الصحراء المغربية، إذ تزامنت زيارة الرئيس الجنوب أفريقي السابق جاكوب زوما إلى المغرب مع تصاعد نقاشات داخل الأمم المتحدة حول ضرورة التعامل بجدية مع الديناميات الجديدة التي أفرزتها الساحة الصحراوية. هذان الحدثان، على الرغم من تباعدهما جغرافياً وزمنياً، يلتقيان في نقطة جوهرية: تعزيز موقع المغرب كفاعل مركزي وشرعي في الملف، مقابل انكشاف محدودية الطرح الانفصالي الذي ظل لعقود رهينة الجمود الأيديولوجي والتحالفات البالية.
زيارة زوما للمغرب
مثّلت بداية تحول في المزاج السياسي داخل جنوب أفريقيا، الدولة التي عُرفت تاريخياً
بدعمها المطلق لجبهة البوليساريو. الورقة السياسية التي أعدّها إدريس العلوي أبرزت
كيف أن حضور زوما إلى المغرب، واطلاعه المباشر على مشاريع التنمية في الأقاليم الجنوبية،
ساهم في إعادة طرح السؤال داخل النخب السياسية الجنوب أفريقية: هل ما زال الرهان على
البوليساريو يعكس مصالح بريتوريا، أم أن الزمن تجاوز تلك الاصطفافات؟
هذا التحول لا يمكن
قراءته بمعزل عن التغيرات الأوسع في القارة الأفريقية. فجنوب أفريقيا، رغم ثقلها، تواجه
اليوم عزلة متزايدة أمام تنامي موجة الاعتراف الإقليمي والدولي بمبادرة الحكم الذاتي
المغربي. ويبدو أن زيارة زوما فتحت الباب أمام خطاب أكثر براغماتية داخل دوائر صنع
القرار الجنوب أفريقية، خصوصاً في ضوء العلاقات الاقتصادية المتنامية بين الرباط وعواصم
أفريقية عديدة.
بالتوازي مع الحراك
الأفريقي، تجد الأمم المتحدة نفسها اليوم أمام تحدٍ بالغ الحساسية. فمع تزايد الضغوط
على المبعوث الشخصي ستيفان دي ميستورا، يتضح أن المنظمة الدولية مطالَبة بمراجعة مقاربتها.
النقاش لم يعد يدور حول مجرد تسوية تقنية، بل حول مصداقية الأمم المتحدة نفسها في إدارة
نزاع طال أمده نصف قرن.
أحد أبرز المستجدات
يتمثل في بروز "الحركة الصحراوية من أجل السلام" كفاعل جديد يدّعي تمثيل
شريحة من الصحراويين خارج أطر البوليساريو التقليدية. هذا المعطى يطرح أسئلة جدية حول
شرعية التمثيل، ويضع المغرب في موقع قوة؛ إذ يعكس أن المجتمع الصحراوي أكثر تنوعاً
مما تحاول الرواية الانفصالية تسويقه. إدماج هذه الحركة في العملية السياسية ينسجم
مع منطق التعددية، ويفتح الباب أمام حل عملي يستند إلى الحكم الذاتي، باعتباره الخيار
الأكثر واقعية وقابلية للتطبيق.
تُظهر الوقائع أن المغرب
استطاع الجمع بين الشرعية الميدانية ـ من خلال التنمية والبنية التحتية في الصحراء
ـ والدينامية الدبلوماسية التي حوّلت مبادرة الحكم الذاتي إلى مرجعية دولية. زيارة
زوما تعكس هذا البعد الميداني؛ حيث لمس بنفسه التغيرات الاقتصادية والاجتماعية في مدن
مثل العيون والداخلة. أما في الأمم المتحدة، فإن الاعتراف المتزايد بوجاهة المبادرة
المغربية يجعل أي محاولة للالتفاف عليها نوعاً من التهرب من مسؤولية إيجاد حل واقعي
للنزاع.
ما بين بريتوريا ونيويورك،
تتضح صورة جديدة: المغرب يرسخ موقعه كقوة إقليمية قادرة على إقناع خصوم الأمس وإرباك
حسابات الانفصاليين، بينما الأمم المتحدة تجد نفسها أمام امتحان صعب: إما الانخراط
في منطق الحل الواقعي عبر الحكم الذاتي، أو المخاطرة بفقدان ما تبقى من رصيدها في المنطقة.
بذلك، يمكن القول إن
سبتمبر 2025 يمثل لحظة مفصلية تعيد تشكيل المشهد السياسي حول الصحراء، وتمنح المغرب
دفعة إضافية لترسيخ سيادته عبر التقاء عوامل داخلية ودولية.
0 التعليقات:
إرسال تعليق