بعد أكثر من خمسة عشر عامًا من الحرب التي اندلعت منذ 1975، وصلت وساطة الأمم المتحدة ومنظمة الوحدة الإفريقية إلى “مقترحات التسوية” التي قَبِلها المغرب وجبهة البوليساريو سنة 1988. وأعطى مجلس الأمن لهذه المقترحات إطارًا قانونيًا بقراراته التي فتحت الطريق أمام خطة تنفيذية، هدفها إنهاء النزاع عبر وقف النار وتنظيم استفتاء مؤطر بمعايير أممية.
في ربيع 1991 أنشأ مجلس الأمن بعثته الخاصة في الصحراء “مينورسو”، وأسند إليها الإشراف المباشر على كل ما يتصل بتنفيذ خطة السلام، بما في ذلك مراقبة وقف النار، تحديد هوية الناخبين، وتأمين شروط استفتاء كان يُفترض أن يحسم مستقبل الإقليم. هكذا انتقل الملف من إدارة إقليمية عسكرية إلى وصاية تقنية-سياسية أممية.
لحظة 6 سبتمبر
1991: تثبيت الهدنة
دخل وقف إطلاق النار
حيّز التنفيذ في 6 سبتمبر 1991 بعد قبول الطرفين، ودخلت المواجهات طور “التجميد المسلح”.
انتشر المراقبون الأمميون على طول الجدار الأمني، وانخفضت حدة الاحتكاكات المباشرة،
ليبدأ عهد جديد اتسم بجمود عسكري طويل مقابل دينامية تفاوضية ودبلوماسية متقطعة.
هندسة الخطة الأممية:
صندوق أدوات معقّد
جاءت خطة التنفيذ متكاملة،
تضمنت تحديد هيئة الناخبين استنادًا إلى إحصاء 1974، مع آليات طعن دقيقة ومعقدة، إلى
جانب إجراءات إنسانية مثل تبادل الأسرى ولمّ شمل العائلات. كما خُصصت فترة انتقالية
تُدار أمميًا لضمان حياد بيئة الاقتراع. غير أنّ قضايا الهوية والقبائل، وتعقيدات أوضاع
اللاجئين، سرعان ما حولت هذه الآليات إلى بؤر صراع مؤجل داخل عملية السلام نفسها.
أثر الهدنة على الداخل
المغربي
وفّر وقف القتال متنفسًا
اقتصاديًا وأمنيًا للمغرب، وسمح بتحويل الجهد نحو التنمية وتحديث المؤسسات. تراجعت
كلفة الاستنزاف العسكري، واستُثمر الهدوء لتعزيز السيطرة الميدانية غرب الجدار، وبناء
بنية تحتية متطورة، وتكثيف الاعتراف الدولي بالمقاربة المغربية. هذا الرصيد عزّز موقع
المغرب التفاوضي لاحقًا، مع انتقال لغة القرارات الأممية تدريجيًا من التركيز على الاستفتاء
إلى الدعوة لإيجاد حل سياسي واقعي وعملي.
حدود خطة 1991: من
تقنية الاستفتاء إلى سياسة “الحل السياسي”
تعثر تحديد الهيئة
الناخبة كان المأزق الأساسي الذي عطّل الجدول الأصلي. ومع مرور السنوات، ظهرت مبادرات
جديدة مثل خطط جيمس بيكر في مطلع الألفية، ثم المبادرة المغربية للحكم الذاتي سنة
2007. وبقيت البوليساريو متمسكة بخيار الاستفتاء، في حين واصل مجلس الأمن تجديد ولاية
المينورسو، داعيًا إلى مفاوضات مباشرة دون شروط مسبقة.
الهدنة الطويلة وتحوّلات
ما بعد 2020
ظل وقف إطلاق النار
صامدًا قرابة ثلاثة عقود، إلى أن اهتزّ في نوفمبر2020 بسبب أزمة الكركرات، ما كشف هشاشة
الترتيبات أمام المتغيرات الميدانية. ورغم ذلك استمرت الأمم المتحدة في التمسك بمسارها،
مؤكدة ضرورة العودة إلى التفاوض السياسي.
قراءة في الأثر الاستراتيجي
لوقف النار
(1991)
أعاد الهدوء تعريف
النزاع من عسكري إلى تفاوضي، فانتقل مركز الثقل إلى قاعة مجلس الأمن وآليات الوساطة
الدولية.
ثبّت الوضع الميداني
والإداري لصالح المغرب الذي عزز وجوده واستثماراته في الأقاليم الجنوبية.
أدى التعثر المستمر
إلى تآكل “وعد الاستفتاء” لصالح مقاربة الحل السياسي الواقعي.
أظهرت الأزمات اللاحقة،
خاصة بعد 2020، أن وقف النار إطار قابل للانكسار ما لم يُدعم بترتيبات قانونية وأمنية
أكثر صلابة.
خلاصة
كان وقف إطلاق النار
في سبتمبر 1991 نقطة تحول محورية في تاريخ النزاع. فقد أوقف الاستنزاف العسكري وفتح
مسارًا أمميًا طويلًا منح المغرب ظروفًا أكثر ملاءمة لترسيخ موقعه داخليًا وخارجيًا،
لكنه ترك جوهر الخلاف بلا حل نهائي. ومع تحولات الإقليم والمتغيرات الدولية، يظل التحدي
الأكبر هو الانتقال من هدنة طويلة غير مستقرة إلى حل سياسي دائم يوازن بين الاستقرار
الميداني والتوافق الدبلوماسي.
المراجع الموثوقة
(مرقمة)
مجلس الأمن، القرار
658
(1990).
مجلس الأمن، القرار
690
(1991).
الأمم المتحدة: بعثة
المينورسو – الخلفية والتاريخ.
تقرير الأمين العام S/22464 حول خطة التنفيذ.
تقرير الأمين العام S/21360 (1989).
أرشيف مجلس الأمن
– قرارات الصحراء الغربية.
اللجنة الدولية للصليب
الأحمر: الملف القانوني للنزاع.
وكالة أسوشييتدبرس
(2024): تغطية تجديد ولاية المينورسو.
تقارير صحفية عن أزمة
الكركرات
(2020).
روابط لمكتبات رقمية
ووثائق أصلية
UN Digital
Library – القرار
690
(1991)
UN Digital
Library –القرار
658
(1990)
UN Digital
Library – تقرير
الأمين العام
S/21360
MINURSO – UN
Missions Background
يتبع
0 التعليقات:
إرسال تعليق